د.سعيد صبري - النجاح الإخباري - خلف فايروس كورونا اّثارا لا تعد ولا تحصى في العالم ، وما زال هذا الفايروس الخفي يعصف بدول العالم ويؤثر على مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والصحية. وتتفاوت دول العالم في جاهزيتها الاقتصادية والاجتماعية والصحية في ايجاد حلول مبتكرة أو رفد القطاعات المختلفة ماديا او بسياسات اجتماعية او اقتصادية تساند وترفد تلك القطاعات المصابة والذي أصابها إما بالشلل الكلي او بالشلل الجزئي او دخلت في غرف الانعاش محاولين اعادة الحياة لقطاعات اقتصادية حيوية، فمعظم دول العالم وحكوماتها قرروا ان يعيدوا الحياة الاقتصادية الى مجراها الطبيعي وذلك انقاذا للاقتصاد و/ أو عدم توفر الامكانيات لدى بعض الحكومات في تحمل أعباء المواطنين.
من الواضح تماما ان الانجح في ذلك كانت تلك الدول التى استثمرت بالماضي في البنية التحتيه لخلق "اكتفاء ذاتي" مبني على اسس اقتصادية وعلمية تضمن فيها تلبية احتياجات المواطن اليومية من مصادر داخلية وطنية، او تلك الدول الاخرى الذي استنهض القطاع الخاص فيها افكارا مميزة لبث احتياجاته الصاعدة والملحة بانشاء منشآت اقتصادية جديدة نوعية تجاوبت مع احتياجات المواطنين والرعاية الصحية والاجتماعية في بلدانهم.
وتؤكد السيدة كريستالينا غورغييفا مدير عام صندوق النقد الدولي ان الاثار الاقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا اعمق بكثير مما توقع صندوق النقد الدولي بشهر ابريل/ نيسان الماضي ان يحدث ٠ وتقول :- توقعنا في شهر يناير ان تزداد قوة النمو العالمي من 2.9% في العام المنصرم الى 3.3% في العام الجاري لكن من الواضح تماما اننا نشهد انخفاضا قد يصل الى 0.4% عن نمو العام المنصرم ، وقد نشهد انخفاضا أكبر اذا إستمرت الجائحة ، وأثرها أكبر بالدول المستجدة .
لقد قامت الحكومة الفلسطينية مشكورة بانجاز بعض المهمات الصعبة والمعقدة في سبيل انعاش الاقتصاد الفلسطيني الذي يعاني أثارا اقتصادية صعبة جدا، متجاوبة مع متطلبات العديد من الجهات بالقطاع الخاص والمواطنين ،وذلك لانقاذ الاقتصاد من الانكماش الحالي ، وقد تكون معافاة الاقتصاد الفلسطيني أسهل من اقتصاديات الدول الكبرى الاخرى اذا توفرت الاستراتيجية الصحيحة والصحية لانعاشه ، وتوفر الدعم المالي الموجهة للقطاعات الاقتصادية الاكثر حاجة والحاحا من منظور اقتصادي. لقد أعلن حديثا من قبل الحكومة الفلسطينية وعلى لسان رئيس الوزراء حزمة من المساعدات التى استهدفت القطاع الزراعي في فلسطين وتحديدا بالاغوار ، وقد أجزم ان تلك المساعدات تصب في إنعاش القطاع الزراعي آنيّا ، لكن بقراءه متواضعة لا أجد أنها تلبي المفهوم الاستراتيجي نحو "اكتفاء ذاتي "، وفي نفس السياق اعلنت الحكومة الفلسطينية وسلطة النقد برنامج دعم المشاريع الصغيرة لكن لغاية الآن لم يحقق الأثر المضمون لاعادة الانتعاش لتلك المنشآت الاقتصادية التى تم استهدافها، وما زالت تعاني من الاجراءات المعقدة للجهات المانحة للقروض. وكما نشهد هذه الايام زيادة عالية بوتيرة المصابين بفايروس كورونا ، وضعف في الاسواق ، وضعف في السيولة ، واغلاق بعض المنشآت الاقتصادية نتيجة عدم مقدرتها في التعاطي مع الحالة، هذا على صعيد، وعلى صعيد آخر فئة الشباب والرياديين الذين ضاقت بهم السبل نحو بلورة افكارهم المميزة وترجمتها الى واقع نتيجة عدم توفر الآليات لتمويل الافكار الشبابية المبدعة.
وفي خضم البحث عن حلول نوعية قد تساعد صناع القرار بفلسطين على العمل من أجلها أقدم اقتراحات عملية :-
القطاع الزراعي: "نداء العودة الى الارض" عنوان البداية ، ومن ثم العمل على ايجاد حلول استراتيجية لبناء "اكتفاء ذاتي" زراعي بفلسطين وبناء "سلسلة فلسطين العنقودية" ،حيث بلغت حصة القطاع الزراعي 7% من الناتج المحلي الفلسطيني و 19% من مجموع العمالة ، وتبلغ حصة هذا القطاع من الصادرات 25% ، والهدف هو تلبية حاجة المواطن الفلسطيني من منتج عالي الجودة وباسعار منافسة وتطوير التقاطعات والتشابكات الاقتصادية . يحرم استمرار احتلال منطقة جيم الاقتصاد الفلسطيني من 63 % من الموارد الزراعية في الضفة الغربية والتي تشمل أخصب الاراضي الزراعية وأصلحها للرعي، بينما قلصت إقامة جدار الفصل وتوسع المستوطنات المساحة المتاحة للانشطة الزراعية ، كما انه لن نشهد تعافي للاقتصاد الوطني بدون اتاحة الوصول الى منطقة جيم، وكذلك بتوفير ثلاثة عناصر مهمه:-
اولا: صندوق دعم للمزارعين الفسطينيين ، والمدخلات الزراعية والاسمدة اينما وجدوا٠
ثانيا: ايجاد سوق عالمي وتجنيد سفراتنا للعمل على ايجاد اسواق يستوعب بعض المنتجات القابلة للتصدير فعلى سبيل المثال تنتج فلسطين 14.000 طن تمر بينما تنتج اسرائيل 48.000 طن من التمر ، يعاني المزارع الفلسطيني من بيع منتجه في الاسواق المحلية بينما تبيع الشركات الاسرائيلية 40% من انتاجها في اسواق فلسطين. السوق التركي سوق واعد لمنتج التمر لماذا لا نسعى ياتجاه العمل على زياده "الكوته" الفلسطينية المصدرة الى تركيا والتى تراوح مكانها منذ اعوام مع الزيادة في نسبة الانتاج للمنتج الفلسطيني سنويا بمعدل 20% ؟ وهذا ينطبق على العديد من دول العالم الاخرى التى ما زال موضوع "الكوته" ملعلقا منذ أجل؟ ثالثا:- البدء بايجاد مراكز توزيع باوروبا للمنتجات الزراعية الفلسطينية التى ستعمل بمهمة "الحاضنة للمنتجات الفلسطينية" المصدرة ومركز توزيع للحاصلات الزراعية الفلسطينية بالاسواق العالمية.
قطاع التجارة والاستيراد والتصدير والمشاريع الصغيرة:- "الميناء الجاف"و " الكود الفلسطيني للحاويات" عنوان استقلال وطني ، عنوان لتسهيل عبور المنتجات المستوردة والمصدرة من والى فلسطين ، مشروع قد تحدث فيه الكثيرين من قطاع رجال الاعمال ، وقد تحدث فيه العديد من شركات الاستثمار العاملة في فلسطين – من أهم العناصر الفاعلة لتطوير القطاع هو فتح آفاق حرية التجارة والاستفادة من الاتفاقيات التجارية مع دول العالم ، وقد يعيقنا التحكم على المعابر لكن هنالك دول بالعالم التي انشأت هذا النموذج ويعتبر من انجح النماذج العالمية للسيطرة بين التصدير والاستيراد للمنتجات بكافة اشكالها وانواعها، فمثلا في اديس ابابا يوجد اكبر الموانيء وفي تنزانيا وفي غرب افريقيا، والامثلة لا تعد ولا تحصى باوروبا الشرقية ، نحن بحاجة الى تعاون القطاعين " العام والخاص" لخلق شراكة نوعية لانشاء هذا "الميناء الجاف" والذي سيخفف على المستورد والمصدر الفلسطيني الاتعاب والمصاريف الباهظة جدا جراء استمرار السيطرة الاسرئيلية على المنتجات المستوردة والمصدرة مما يقلل من نسبة المنافسة للمنتجات الفلسطينية عالميا. كما انه من الضروري السعى نحو خلق كادر فلسطيني مؤهل "مخلّصين تجاريين" مؤهلين للاستعاضة عن اعتمادنا المستمر على "المخلص التجاري" الاسرائيلي. كما انه من الضروري الحذو نحو تطوير برامج تمويل للمواد الخام المستوردة ، و/او دعم المشاريع الصغيرة ببرامج طويلة الأمد وتقليل الشروط من كفلاء ورهونات اسوة بالدول الاخرى المجاورة ، يجب تعزيز البقاء للمشاريع الصغيرة بتحفيزهم على العمل وهذا يتطلب مرونة من سلطة النقد والبنوك العاملة بفلسطين ببلورة برامج تمويلية سلسلة وذات جدوى تنعش الاقتصاد وضخ دموية جديدة بالاقتصاد .
قطاع الرياديين
الشباب الفلسطيني( ذكورا واناثا) يمثل ديمومة المجتمع الفلسطيني ، يمثل قطاع الشباب ما نسبته 60% من شعبنا الفلسطيني ، " التحول الرقمي" كلمة السر بعد كورونا، لتكن فلسطين رائدة في التحول الرقمي ، ولنجعل فلسطين عنوانا ونموذجا يحتذى به عالميا ، فنحن نملك من الكفاءات الفلسطينية المميزة والمبتكرة والمبدعة ما يكفي ان نجعل فلسطين مميزة ، نحن بحاجة الى تجميع وتظافرالجهود والعمل على خلق وسائل مسهلة للمبادرين كالقوانين والتشريعات المحفزة لهم ، وايضا التعاون بخلق صناديق استثمار للمشاريع الناشئة باعطاءهم منح ، التعاون مع الصناديق العالمية لاستقطاب مستثمرين عالميين للاستثمار بالافكار الجديدة وخلق "بنك الافكار الفلسطيني" الذي من شأنه ان يروج لحلول رقمية للعالم يبحث عنها نتيجة لجائحة كورونا والاثر التي أحدثته. فمبادرة "قدس" تلك المبادرة الفلسطينية لصناعة سيارة تكنولوجية حديثة عنوان لنجاح يحتذى به.
فلنجعل فلسطين آمنة غذائيا ، ورائدة تكنلوجيا ومميزة في خدمة المواطن اقتصاديا وصحيا ، ولتكن فلسطين عنوان للانجاز .