النجاح الإخباري - رسائل متعددة حملها مهرجان أريحا، خاطبت من خلاله مدينة القمر جهات وأقطارا ومحاور عدة، سواء على المستوى المحلى أو الإقليمي أو الدولي، وجاءت هذه الرسائل قوية ومباشرة بالشكل والمضمون، فمن حيث الشكل كان هذا الحشد الجماهيري الضخم وغير المألوف، ومشاركة ممثلين عن 48 دولة من بينهم قوى كبرى وأعضاء في مجلس الأمن، ومشاركة أهلنا في الداخل عبر رئيس لجنة المتابعة الأخ محمد بركة.
ومن حيث المضمون فقد عبر إصرار هذه الحشود الضخمة على المشاركة في المهرجان بالرغم من كل العوائق والمعيقات التي قامت بها قوات الاحتلال على استعداد الشعب الفلسطيني وتأهبه لخوض معركة المصير والبقاء، وكان تحويل الحواجز التي وضعها الاحتلال لنقاط اشتباك بين الشبان الذين لم يسمح لهم بالمشاركة وقوات الاحتلال رسالة واضحة عن مدى الاستعداد الشعبي للانخراط في أتون هذه المعركة، وكما عبرت أيضا عن حجم الانسجام والتوافق بين القيادة الفلسطينية وجماهير الشعب الفلسطيني، ومدى التفاف الشعب حول قرارات القيادة وثقته بها، على الرغم من كل المحاولات المستميتة من جهات وجماعات مختلفة (سماسرة الوطن) لإحداث الوقيعة والشرخ بين الشارع والقيادة الفلسطينية، في حين كان حضور وكلمة الأخ محمد بركة بمثابة تأكيد على وحدة الشعب الفلسطيني في كل مكان، وإشارة مهمة إلى أن الفلسطيني لا يمكن أن ينسى هويته الوطنية، بما يؤكد أن القضاء على حل الدولتين لن يحقق لإسرائيل مرادها ولن تنعم بالأمن والاستقرار ما دام الإنسان الفلسطيني موجودا على الخريطة الجغرافية لفلسطين التاريخية.
عبرت مشاركة ممثلي الدول (روسيا– الصين– الاتحاد الاوروبي- اليابان) وهي دول وازنة سواء من شغل بعضها لعضوية مجلس الأمن أو بما لها من ثقل في صناعة السياسة الدولية، عن نجاح الدبلوماسية الفلسطينية التي خطها الرئيس أبو مازن ضمن استراتيجيته في إدارة الصراع مع الاحتلال في تحشيد الرأي العام الدولي لنصرة الحق الفلسطيني ورفض مشروع الضم وصفقة القرن التي جاءت به، وفي العرف الدبلوماسي وقوانين السياسة توضع هذه المشاركة في إطار المواقف القوية الواضحة التي لا لبس فيها، وليس في إطار المجاملة والمناورات السياسية، لا سيما وأن الكلمات التي أدلى بها ممثلو هذه الدول كانت واضحة وجلية في دعمها للموقف الفلسطيني. أما مشاركة الأردن فلم تكن مشاركة روتينية أو نمطية، بقدر ما عبرت ومن خلال الموقف القوى والصارم لجلالة الملك عبد الله عن عمق الروابط والمصير المشترك بين الأردن وفلسطين، وهو ما سيكون له بالغ الأثر في إحداث تغيير في المواقف المترددة عند البعض، وسيشكل عضدا وسندا للموقف الفلسطيني والرؤية الفلسطينية لا سيما في توظيف المنطق لشرح أبعاد ومخاطر مشروع الضم.
لقد وصلت الرسالة لدولة الاحتلال وإدارة ترامب بان الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن حقوقه، وأن تطبيق مشروع الضم ستكون له تداعياته الخطيرة ليس على الفلسطينيين وحدهم وإنما سيدفع الجميع ثمن فاتورة الضم، خاصة وأن الشعب الفلسطيني لن يخوض هذه المعركة وحده، وإنما متسلحا بدعم وتأييد المجتمع الدولي، وربما تصل الرسالة لبعض العرب من أصحاب المواقف الخجولة والمترددة ومن داعمي المشاريع التي تتناقض مع المشروع الوطني ليعيدوا النظر في مواقفهم. أما الرسالة الأهم من وجهة نظرنا فكانت رسالة المهرجان المحلية، وهي بمثابة مركز الفعل الفلسطيني الذي من شأنه أن يقود إلى تعزيز الصمود والقدرة على المواجهة بما يكفل توسيع دائرة الدعم والتأييد للحق الفلسطيني وإفشال مشروع الضم أو لا سمح الله يقود إلى مزيد من الضعف والإنهيار. وهنا حمل المهرجان رسالة طمأنة لجماهير الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده ومفادها: أن فتح بخير، وأنها فتح التي نريد، فتح التي إن قالت فعلت، فتح التي تنفض الغبار عن نفسها في اللحظات المصيرية كطائر العنقاء لتقود دفة النضال الفلسطيني بكل قوة واقتدار، ولكن لماذا فتح؟
من المسلم به أن المعركة المركزية ضد مشروع الضم تدور رحاها في الضفة الغربية، وأن مقومات الصمود والمواجهة تعتمد على تفعيل المقاومة الشعبية والحفاظ في نفس الوقت على حالة من الاستقرار والأمن (المقاومة المنضبطة)، وعدم توفير بيئة خصبة لأطراف وقوى داخلية مرتبطة بأجندات غير فلسطينية سواء من جماعات الإسلام السياسي أو من الطابور الخامس (مرتزقة الدول وأذناب الاحتلال)، التي تسعى لجر السلطة لمربعات من شأنها تقويض حالة الاستقرار والأمن ونشر الفوضى والفلتان، وهي أقصر الطرق لتمرير مشروع الضم وتكريس الانفصال وتحقيق حلم جماعة الإخوان بإقامة وشرعنة إمارة غزة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن فصائل العمل الوطني كما سبق وأشرنا في مقالات سابقة بعضها عدا شرعيتها التاريخية ومواقفها الوطنية فإنها فقدت حضورها الميداني والجماهيري، وبالتالي فإن قدراتها على الفعل المؤثر شعبيا باتت ضعيفة، وأخرى من قوى اليسار تعيش حالة من التيه السياسي والأيدلوجي بعد أن فقدت بوصلتها وهويتها بين الاسلاموية والوطنية، وبالتالي لم يعد الرهان وطنيا قائما إلا على حركة فتح، التي لطالما حملت المشروع الوطني وتصدرت حمايته وحافظت على هويته الوطنية بما حققته من امتداد وتأييد وسط جماهير الشعب الفلسطيني وحافظت عليه رغم كل العواصف التي هبت عليها، وبما لها من ثقل وطني وسياسي وقدرة على الفعل وما تمتلكه من خبرة وتجربة تراكمت على مدار سنوات النضال الفلسطيني بما يؤهلها لقيادة المعركة القائمة الآن حول مشروع الضم.
نعم كانت رسالة طمأنة من فتح لجماهير الشعب الفلسطيني، أن فتح بخير، فكان المهرجان الذي دعت وحشدت له الحركة بهذا الحجم والعنفوان، ردا على كل ما يتردد وما يحاول البعض أن يروج له عن ضعف وهوان وتراجع قوة وحضور وتأثير فتح، وأن هذه المحاولات ما هي إلا أمنيات وأضغاث أحلام لديهم، نعم أثبتت فتح مرة أخرى كما أثبتت سابقا في قطاع غزة أنها هي، وهي وحدها "أم الجماهير"، ومن يراهن على الجماهير فلا يمكن له أن يخسر.