د. أحمد ابراهيم حماد - النجاح الإخباري - بعد أن أصبحت جانحة كورونا حديث الإعلام في كل العالم، وأصبحت الشغل الشاغل لوسائل الإعلام على اختلافها بما في ذلك وسائل الإعلام الحديثة، أصبحت الأخبار الخاصة بهذا الوباء كابوساً يؤرق مضاجع المواطنين في مختلف أنحاء المعمورة، دون الالتفات الى درجة التحضر من عدمها أو اللون أو العرق أو المعتقد الديني سيما بعد أن فقدت الكثير من الدول السيطرة على هذا الوباء.
وفي ظل التزاحم الإعلامي على كل ما يتعلق بتغطية ونشر أخبار الوباء، نجد أن الكثير من الإشاعات التي تطلق بقصد أو بدون قصد والتي تتعلق بهذا الفايروس بشكل أو بآخر، تجد مرتعاً خصباً لها على شبكات التواصل الإجتماعي التي تشهد تناقلاً غير مسبوق للكثير من الإشاعات المتعلقة بهذا الفايروس الخطير، مما يثير المزيد من التوتر والقلق ونشر البلبلة والهلع في صفوف المواطنين.
وتتباين مستويات الإشاعة التي يتم تداولها بخصوص فايروس كورونا تبعاً للعديد من المقاصد والأهداف والاعتبارات السياسية والخلفيات الثقافية والمعتقدات الدينية.....الخ مما يزيد من غرابة الكثير مما ينشر، كما يزيد من خطورته، فضلاً عن تأثيراته الأنية والمستقبلية على توجهات الأفراد في كافة أماكن إنتشارهم. فهناك من يروج بأن الفيروس تم تصنيعه بمصانع بيولوجية في هذه الدولة أو تلك، وهناك من يردد بأن بعض الشخصيات العالمية وراء تصنيعه، وفي إشاعات أخرى بأن هذا الفايروس عقاب رباني لبعض الدول التي تضطهد المسلمين، كما تناقل النشطاء نصائح بأن شرب "المبيضات" يساعد في الوقاية من المرض، في حين نصح آخرون بالإكثار من أكل الثوم والفلفل الحار جدا.
وفي ظل تزاحم شبكات التواصل الإجتماعي بنشر الكثير من الروايات المتعلقة بالفايروس المذكور دون أن تركز على مصدر موثوق يؤكد صحتها تبرز خطورة نشر هذه الإشاعة أو استغلالها من قبل جهات معينة وذلك على اعتبار أن مثل هذه الأنواع من الاشاعة تعتبر واحدة من أدوات الحرب النفسية الخطرة التي تستخدم في أوقات السلم والحرب على حدا سواء باستخدام أساليب متعددة من أجل تحقيق أهدافها، التي منها تحطيم معنويات المجتمع، وتحطيم الثقة بمصادره الإخبارية، وتستخدم كطعم لمعرفة ردود الفعل ومعرفة معنويات المجتمع وقواته العسكرية وتزدهر في الأوساط المجتمعية الأقل تعليماً والأكبر سناً، ومن غاياتها إضعاف إيمان الشعب بعقيدته وأفكاره ومبادئه القومية والوطنية.
والأخطر من الشائعات الخاصة بفايروس كورونا في حد ذاته تلك الشائعات التي تتمحور حول بعض القضايا الخاصة بانتشار هذا الفايروس، والتحليلات غير المنطقية بذلك وربطها بأمور لا أساس لها من الصحة، مثل الترويج بأن بعض الدول أوجدت هذا الفيروس للقضاء على المسلمين، رغم أنه من المعلوم أن مثل هذه الأمور لا تُفرق بين مسلم وغير مسلم، وبالعودة لكورونا، فإن الصين كغيرها من الدول قامت بتوفير البيئة العلاجية لجميع مواطنيها بغض النظر عن أصولهم العرقية ومرجعياتهم الدينية. ومن ذلك أيضاً على الصعيد الفلسطيني بث كم هائل من الشائعات والمعلومات المغلوطة عبر مواقع مشبوهة، ومواقع حزبية، ومواقع معادية تشكك في قدرة الحكومة الفلسطينية على مواجهة الأزمة التي تعصف بدول العالم أجمع وذلك بهدف إحداث نوع من الهلع لدى المواطنين.
والغريب في الأمر أن الكثير ممن يعيدون نشر هذه الشائعات لا يكلفوا أنفسهم مجرد التمحيص فيها أو التحقق من صحتها وهو ما يعتبر مخالفاً للمعتقد الديني السليم وفق ما أكده مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين، من قيام بعض الجاهلين، بنشر الشائعات والأخبار الكاذبة عن فيروس (كورونا) عبر مواقع التواصل الاجتماعي،، يعتبر حراماً شرعاً ومرض اجتماعي، يترتب عليه مفاسد فردية واجتماعية ويسهم في إشاعة الفتنة، فعلى الإنسان أن يبادر بالامتناع عنه؛ لأن الكلمة أمانة تحمّلها الإنسان على عاتقه.
وكانت وزارة الداخلية الفلسطينية دعت المواطنين تحري الدقة في نشر معلومات تتعلق بإنتشار فايروس كورونا خلال حالة اعلان الطواريء وعدم نشر او تناقل الاخبار التي من شأنها أن تمس بالأمن الداخلي وبالسلم الأهلي والالتزام بما تصدره اللجنة الاعلامية المكلفة من قبل رئيس الوزراء وزير الداخلية.
ونظراً لكون شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لنشر الشائعات و"المعلومات المغلوطة ، خاصة ما يتعلق بفيروس كورونا، دون أي محاولة للتدقيق أو التحري في صحة تلك المعلومات، فقد قررت العديد من هذه الشبكات الاجتماعية أن الأزمة لا تحتمل التساهل مع الإشاعات والأكاذيب والمعلومات الخطأ، لذلك سعت للحد من نشر كل هذا المحتوى السيئ، كما عملت على الترويج للبديل الذي يمكن الاعتماد عليه، والموثوق من صحته، والصادر من جهات يمكن الثقة بها كمنظمة الصحة العالمية.
يوتيوب مثلاً يقترح رابط منظمة الصحة العالمية في صفحته الرئيسة، وسعى لإخفاء مقاطع الفيديو السيئة، لذلك من يبحث سيجد نتائج جيدة بدلاً من مقاطع تروج لمعلومات خطأ ونظريات مؤامرة.. وكذلك تويتر حذف تغريدات تروج لمعلومات خطأ وأوقف حسابات وهمية، وفيسبوك منع إعلانات الأقنعة الواقية للحد من محاولات استغلال مخاوف الناس، وحتى متاجر الويب الكبيرة منعت رفع أسعار الأقنعة والمعقمات ومنتجات أخرى يشتريها الناس لوقاية أنفسهم من المرض.
وبعيدا عن الاشاعات التي طغت على تفكير المواطن الفلسطيني في ظل التسريبات الأولية التي رافقت دخول هذا الفايروس الى بلادنا بأشكال مختلفة, ما يجعلنا نؤكد على أهمية تشكيل اللجنة الوطنية لمواجهة أزمة كورونا واللجان الفرعية في المحافظات بخلية إعلامية رسمية ، ضمت ممثلين عن الجهات الرسمية ذات العلاقة ، لتقديم معلومة أولية وسريعة ووضعه بصورة الحدث تراعي بها كافة الحسابات والاعتبارات المصلحية لشعبنا الفلسطيني، وبالتالي تعزيز ثقته واعتماده على هذه المرجعية في تقصي المعلومات والاخبار عن طريق عرض الحقائق من خلال وسائل الاعلام, وتعزيز ثقة الجمهور, وكسب تعاونه , والعمل على التوعية المستمرة بين أفراد المجتمع حيث أن محاربة الاشاعة تتطلب الحقيقة والمعلومة الصحيحة.