محمد خروب - النجاح الإخباري - إنه فيروس كورونا الذي عجّل بتقويض النظام الدولي المُشوه وغير المُستقر بل غير المُتبلور منذ بداية الألفية الجديدة، وبخاصة بعد فشل واشنطن في المحافظة على تفردها بقيادة العالم منذ انتهاء الحرب الباردة، على نحو بدت فيه زعيمة الإمبريالية العالمية وكأنها اطمأنّت إلى أن أحداً لن يجرؤ بعد تلك الأحداث الدراماتيكية التي عصفت بالقطب الدولي الثاني, والشروع في عملية تقويض غير عفوية للقوة الوحيدة في العالم، القادرة على عرقلة أو إفشال بل هزيمة إمبراطورية الشر الأميركية.
وإذ بدأ القلق الأميركي يتزايد بعد نجاح فلاديمير بوتين في طيّ صفحة العهد البائس لسلفه يلتسين، فإن وصول ترمب للبيت الأبيض قد أسهمَ ضمن أمور أخرى، في هزّ (وليس تقويض) أُسس منظمة التجارة الدولية، بما هي العنوان الأبرز للعولمة, التي وضع أُسسها ثمانينات القرن الماضي الثنائي الإمبريالي الأميركي/البريطاني ريغان وثاتشر، وبخاصة بعد إطاحته (ترمب) قواعد تلك المنظمة التي هي نتاج الأفكار والسياسات النيوليبرالية المُتوحّشة التي فُرضَت على دول العالم, ناهيك عن الحمائية التي يتبنّاها والحروب التجارية التي شنّها على أكثر من دولة، وفي مقدمتها الصين ودول رأسمالية أخرى مثل كندا والمكسيك ودول أميركا اللاتينية، وانتهاجه سياسة عقوبات اقتصادية وتجارية، لتأتي الآن جائحة كورونا وما رافقها وسيرافقها (إلى حين انتصار البشرية على هذا الفيروس الخطير) من توتّرات وانقسامات وخصوصًا بروز أنانية مُفرطة لدى دول كبرى وغنيّة، كثيراً وطويلاً ما صدعت رؤوسنا بالحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ومكافحة التلوّث والأمراض، فإذا بها تتنكّر لكل تلك الترّهات المؤسطَرة وتغلق حدودها، التي قيلَ انها أزالتها لصالح (الهوية الأوروبية) وتمتنع عن مدّ يد العون لـ(شُركائها). جاءت كلمات الرئيس الصربي فوتيشيتش كأبرز وأدقّ تعبير عن خواء كل ما تشدّق به قادة الاتحاد الأوروبي وتحديدا المانيا وفرنسا، عندما وصف التضامن العالمي والتضامن الأوروبي بأنه «قصة خُرافية على الورق»، كاشفاً النقاب عن «تعليمات وضغوط» المفوضية الأوروبية على بلاده، وإصدارها فرمانات تحول دونها وشراء أي بضاعة أو مستوردَات من الصين، بل على صربيا أن تشتريها حصرياً من دول الاتحاد الأوروبي، وعندما وقعت الجائحة قالت لهم المفوضية: «ليس لدينا ما نبيعكم إياه»، مُتوعداً أنّه سيجد طريقة أخرى ليقول لهم شكراً (على الـ«لاشيء») وليس كما يقول اليوم من كلمات كرئيس دبلوماسية مُهذبة.
يحضر في الأثناء ردّ الفعل الألماني على (قرصنة) الرئيس الأميركي، عندما حاول إغراء مدير شركة ادوية ألمانية شهيرة ببيعه حق إنتاج وتسويق لقاحات مُبتكرة لمعالجة فيروس كورونا.. «ألمانيا ليست للبيع» قالها الألمان.
كلام غاضب كهذا مرشّح للتحوّل إلى خطوات وإجراءات سياسية ذات أبعاد, قد تتدحرج إلى بلورة اصطفافات جديدة, يمكنها أن تؤسسَ لشكل جديد من نظام دولي جديد لن تكونَ أميركا على رأسه بل متساوية بين متساويين، وبالتأكيد سيكون الاتحاد الأوروبي أول ضحاياه، وبخاصة بعد خروج بريطانيا منه وتقويض تداعيات «البريكست»... بعض دعائمه.
نقلاً عن "الرأي" الأردني