سامح المحاريق - النجاح الإخباري - شهد التاريخ تحولاً مهماً لقرار اتخذه يوليوس قيصر بعبور فيالقه العسكرية نهر الروبيكون في شمال ايطاليا، يومها اعتبر مجلس الشيوخ الخطوة بمثابة انقلاب، وفي ذلك الوقت عرف قيصر بأنه اجتاز نقطة اللا عودة، وبقي وصف عبور الروبيكون تعبيراً مجازياً عن الخطوة المتهورة التي لا يمكن العودة عنها.
في مسيرة الرئيس اﻷميركي، دونالد ترامب، على مستوى الشرق اﻷوسط يأتي إعلانه نقل السفارة اﻷميركية إلى القدس في نفس المرتبة، وعلى اﻷقل هكذا نظر اﻷردن للمسألة. ولا يخفى على أحد، أن الرئيس ترامب في حديثه عن القرار الذي بقي يراوح مكانه بين رئيس أميركي وآخر لفترة طويلة من الزمن أشار إلى الاعتراض اﻷردني، ووضعه في سياق عربي أوسع ليخفف من وجاهة الاحتجاج اﻷردني، على أساس قياسه بردود الفعل العربية اﻷخرى.
يعرف اﻷردن قبل غيره أن أي خطوة اسرائيلية في القدس لا تغير شيئاً في الحقيقة، ولن تؤدي إلى انتزاع الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، ومع ذلك يجد ضرورياً أن يخوض هذه المعركة ويواصل التصدي لتكلفتها في ظل سلبية عربية واسعة تجاه مجريات اﻷحداث على اﻷرض. فالنوايا الإسرائيلية متوسطة المدى تتوجه لالتهام الضفة الغربية، وفرض ظروف طاردة للسكان لإحداث عملية تهجير واسعة للأردن، وبذلك يتحقق حل الدولتين كما تراه اسرائيل، دولة على كامل خارطة فلسطين الانتدابية، وأخرى في اﻷردن! بوجود رئيس أميركي لا يحترم القانون الدولي، ويعتقد بأنه مجموعة من الوثائق المليئة بالتفاصيل المملة المخصصة للدبلوماسيين والقانونيين الذين يتوجب عليهم تكييف أنفسهم ونصوصهم وفق أهواء السادة الجدد للعالم، ويعيش اﻷردن في أزمة تجعله يتحدث بلغة مختلفة وسط عالم من المتفائلين من حوله ممن يغريهم تعامل الرئيس اﻷميركي مع القضية الفلسطينية وكأنها صفقة عقارية ستغدق بربح وفير على أطرافها.
في هذه المرحلة الحرجة ربما يكون استدعاء ملفات محلية قديمة متجددة وتصعيدها بسلوك تأزيمي جزءاً من الضغط على اﻷردن الذي يمارسه الأغلبية بصورة تلقائية ودون تفكير وجميعهم بالطبع من منطلق وطني لا يمكن التشكيك فيه، ولكن كم من المشكلات تنشأ من الخلاف على ترتيب اﻷولويات؟
اﻷردن بحاجة إلى الاتفاق على أولوياته، إلى ثقة متبادلة بين الجميع، إلى الارتقاء على الجدل البيزنطي، إلى تأجيل تصفية الحسابات، إلى وقف التراشق بين الفاعلين والمتقاعدين على المستوى السياسي، وإلى مخاطبة الشباب تحديداً بصراحة وشفافية، فليس معقولاً أن نتحدث اليوم عن تفاصيل التفاصيل بينما يتقدم ترمب بصفقته الكبيرة بعد أن ترك الروبيكون وراءه منذ زمن.
عن "الرأي" الأردنية