عباس زكي - النجاح الإخباري - عضو اللجنة المركزية لحركة فتح
تسعة وعشرون عاماً على رحيل ما عرف بالرجل الثاني لفتح والقائد الاستثنائي الكبير صلاح حلف " أبو اياد " إلا انه متعاظم الحضور، بقوة ارادته وصلابة مواقفه النابعة من عُمق ثقافته وإيمانه بالله وعدالة قضيته وثقته بجماهير شعبه الذي وصفه الرئيس الراحل " أبو عمار " شعب الجبارين اذا ما فقد الامل صنع المعجزات.
أبو اياد رجل تتوافر فيه سمات القادة الرواد، مهابة الحضور، دماثة في الخلق، مصداقية في القول والصراحة والوضوح حينما يتعلق الامر بالثوابت والبديهيات، رجل حوار من الطراز الرفيع تجاوز في مهمته كل التوقعات لأنه يؤمن بولاء المنتمين حقيقة الى فلسطين، فحلق بعيداً في آفاق السياسة والأمن مع مزيد من الثقافة والفكر والشجاعة النادرة، واختيار الكفاءات القادرة على تنفيذ المهام الصعبة وبهذا تمايز على رفاق المسيرة واعتبروه القاسم المشترك وفوضوه بالقول الفصل في الاطار الفلسطيني وبخاصة موقف فتح في المجلس الوطني لحسم أي خلاق باعتباره المتحدث المطلوب لرأب الصدع وتصويب المسار كلما لزم الأمر حفاظاً على م.ت.ف الاطار الجبهوي العريض والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني .
كنت على علاقة وطيدة معه وكان يشعرني بأنني الأقرب اليه وهذا ما كان يستخدمه مع الاخرين قناعة منه أن المسيرة صعبه ومعقدة وتحتاج الى كل المؤهلين للعمل في مختلف الميادين، كان ودوداً صادقاً مع حس أمني مرهف في بناء العلاقات، انه الرجل القادر على اقناع من يعمل معه بالاستشهاد، كان له ما اراد بإنشاء ايلول الاسود ورد الاعتبار للثورة والقضية لامتلاكه الحصانه الوطنية والكرامة الشخصية بامتياز.
وهنا اتذكر ما دار بيننا في الاردن بعد العودة من العراق وهو في طريقه الى تونس أي قبل استشهاده بأربعة أيام، خاطبني بلهجة وكأنه يودع الحياة بعبارات فيها فيض عاطفة وحنان لفلسطين بأن نذهب لمشاهدة فلسطين من المرتفعات الاردنية المطله عليها ... علماً بأنه في 31/12/1990 احتفل بطريقته في راس السنة بأن نتوجه الى الاغوار في رحلة مع الذات والتاريخ، وقضينا تلك الليلة في التذكر بمعركة الكرامة الخالدة في 21مارس 1968 التي خاضها مع رفاقه، تلك المعركة التي امتزج فيها دم الجندي الاردني والفدائي الفلسطيني وهزموا الجيش اسطورة التفوق الاسرائيلي ورد الاعتبار للعسكرية العربية بعد تسعة شهور من هزيمة 5 حزيران 1967.
ونحن نستعرض الذكريات قال الاخ الطيب عبدالرحيم ذكريات حلوة رغم مرارتها بما يؤكد عظمة فتح ورسوخها في عقل ابو إياد، نعم ذهبت معه الى مشهد رؤية فلسطين عن بعد وقال شوف المنظر ايش هذا الوضع العربي البائس!!! ترى عيني مرابعها ولا تسعى لها قدم والمصيبة الكبرى أن امريكا ومن معها حشدت كل اسلحة الدمار للعراق والبعض يفكر فرحاً بأن الاستهداف لصدام حسين في الوقت أن المستهدف عدم استقرار العراق وأجياله القادمة، والمنطقة بأسرها قد تشتعل والحرب واقعة عليه ستوضع المنطقة بما فيها الاردن في حال طوارىء مما يفرض الجاب الامني تغيير مواقعكم وعليه وللأسباب الطوارئ لن أتصل معك كالعادة ولكن عنواني ثابت في تونس ـ وعليك انت الاتصال بي كلما لزم الامر لوضعنا في صورة التطورات وغادرنا القائد الى تونس وعليه مظاهر اللهفة والقلق ويوصيني بالحيطة الحذر التام.
أذهلني نبأ استشهاد ابو اياد رجل الوفاء الذي أغدق بالحب والصداقة مع الشهيد هايل عبدالحميد واخي الشهيد فخري العمري هؤلاء الرجال أثُمن عاليا نجاحهم كفريق عمل لتوفير مرتكزات القوة لحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية التزموا بالمشاركة في الحياة وغادروا معاً الى دار البقاء فالرحمة لهم.
كانت من الصدمات المذهلة في حياتي... تماماً كالصدمة باغتيال الراحل خليل الوزير " أبو جهاد " استدعاني الرئيس علي عبدالله صالح الى جناحه الخاص حيث كنا في تعز وكنت أقود باسم فلسطين وساطة بين شطري اليمن وكانت الساعة الثالثة من ليل 16/4/1988 وكنت أعتقد أن المساعي فشلت وأن هناك اشتباكات بين الشطرين فقلت ما الامر هل فشلت الوساطة، قال لا ولكن هناك شي مهم – رحيل أبو جهاد – اغتالته اسرائيل في بيته بتونس، فقلت انه مشروع شهادة وحالها اغمي علي، صحوت وانا في فراشي بين الرئيس والأطباء وتحدث معي الاخ ابو عمار باكياً وقال لا تغادر اكمل مهمتك اكراماً لروح أخيك الشهيد أبو جهاد وبكينا كثيراً ولم نكمل المكالمة كانت لحظات صعبة لم انسها في حياتي، وفي الصباح حضر الوفد الجنوبي كما اتفقت معهم بالأمس في عدن وبرئاسة الرئيس حيدر ابو بكر الغطاس وتقابل الوفدان وما اكرم اليمنيين حينما اعلن الطرفان الرئيس علي عبدالله صالح وحيدر ابو بكر الغطاس اسقاط كل الشروط اكراماً لفلسطين ولشهيد اليمن وفلسطين " أبو جهاد " وطلبوا مني احضار جثمان الشهيد وبآلاف الفلسطينيين لتشيعيه في اليمن مؤقت على أن ينقل الى القدس بعد التحرير ولكن كان الرئيس حافظ الاسد قد رحب بدفنه في دمشق وكانت الجنازة المليونية رغم الخلاف، نعم القادة الكبار فوق كل خلاف.
رحب جلال الملك حسين بدفن أبو اياد ورفاقه في بلدهم الثاني الاردن ونحن في بيت العزاء الذي اقمناه في مقر المنظمة في الحسين بدأ الحديث حول مراسم وصول الجثامين والطرق التي بها الجنازة وغرقنا في التفاصيل بما في ذلك اجراءات الامن وبما يليق بالراحلين – خطر ببالي ما قاله لي ابو اياد أنا ثابت في تونس لن أتصل بك ، فقلت يا جماعة نشكر الاردن ملكاً وحكومة وشعب للترحيب بالشهداء ولكن لا داعي للخوض بالتفاصيل لان الجثامين لن تصل الى عمان وستبقى في تونس فقال الوزير ممدوح العبادي ما هذا يا اخ عباس فأجاتنا بالأمر هل لديكم أخبار أو قرار بذلك قلت له ... انتظر وسنرى ... وبالفعل في منتصف الليل قرعت طبول الحرب وبدأ القصف على بغداد وحضر لعندي عدد الوزراء والنواب اللذين سمعوا الحديث في بيت العزاء هل كان لديك التأكيد بأن الليلة تبدأ المعركة قلت لهم ابداً، خطر ببالي اثناء الجدال حول الجنازة ما قاله لي ابو اياد بأن هناك حال طوارئ قد تتغير مواقعكم ولكن موقعي يبقى ثابت في تونس بالفعل في تلك الليلة السوداء وضعت العراق على المقصلة وأعلنت حالة الطوارئ وتم تشييع جثامين الاخوة في مقبرة الشهداء بتونس وفعلاً كانت الصدمة الكبرى لي أن احرم من المشاركة في الوداع الاخير لأغلى الاعزاء والأقرب بالقلب لرفاق ابو إياد، ابو الهول، ابو محمد العمري بفعل هذه الحرب القذرة التي تتطاير شظاياها كلما ازدادت شراهة امريكا وإسرائيل بترسيخ عدوانها ونهب ثروات شعبنا العربي وإزهاق ارواح بريئة وفقاً لمخططات اعداء امتنا وسياسة فرق تسد والفوضى الخلاقة.
نعم بألم نستذكر الفارس الشجاع والقائد الوطني الذي لا يُنازع صلاح حلف "أبو إياد" والذي ما اتشحت عيناه بالسواد إلا حبا في اللون الاول من العلم الفلسطيني.
ابو اياد لم يترجل عن جواده إلا كرها في واقع عربي هزيل ارتهن لمشيئة اعدائه وغادر كي لا يشهد أخر زمن المسلمين في الاندلس.
اغبط ابو اياد على بعد رؤياه اذ تصبح تونس التي احب برئاسة قيس بن اسعيد تصوب المسار العربي نحو فلسطين وتجدد الأمل بالحاضنات العربية الأمينة في خلع الرداء الاميركي الصهيوني رحمة بشعوبها ومقاومة لأطماع الصهيوامريكية بأرضنا العربية من المحيط الى الخليج.
العهد يا ابا اياد ان نبقى اسرى الفكر الفتحاوي الملتزم ثقافة المقاومة حتى التحرير والعودة وإقامة الدولة المستلقة وعاصمتها القدس وحق شعبنا بتقرير المصر
لكم الرحمة والخلود في جنات النعيم.