النجاح الإخباري - تجتاح دوائر صنع القرار الاسرائيلي هستيريا غريبة جراء القرار التاريخي للمدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي فاتو بنسودا، التخطيط لفتح تحقيق رسمي في جرائم حرب ارتكبت في فلسطين.
اتخذت المرأة الشجاعة القرار وهبت عاصفة جنونية من ردود الفعل الاسرائيلية يسارا ويمينا، بدأت بالمستشار القضائي لحكومة اسرائيل أبيحاي مندلبليت، الذي أعلن عدم الولاية القانونية للمحكمة في المناطق الفلسطينية، مروراً باتهامات النفاق والرياء والازدواجية للمحكمة وقضاتها من قبل المسؤولين الاسرائيليين، وانتهاءً بالاتهام الأشهر العداء للسامية.
ومن شدة هول الأمر على اسرائيل وقادتها، فرض نتنياهو السرية التامة على مداولات المجلس الوزاري المصغر للرد على قرار المحكمة، مستنداً إلى بند قانوني يسمح للحكومة مناقشة قرارات معينة وحظر نشرها لخطورتها ولأسباب تتعلق بالأمن القومي الاسرائيلي!
ما هذه الهستيريا التي عصفت باسرائيل من قرار محكمة بصدد التحقيق!؟ ولماذا لم يصب بها الفلسطينيون والعرب والمسلمون حين أصدر ترامب قرارات الواحد تلو الاخر هدايا مجانية لإسرائيل: القدس والجولان والمستوطنات وقطع المساعدات والتشهير بالاونروا على حساب الحق الفلسطيني ؟
هبت اسرائيل ولم تقعد.. وبدأت العمل لإفشال المحكمة تبعاً لثلاث مستويات على التوازي:
الاول: حشد اللوبيات وجماعات الضغط المناصرة لها المنتشرة في دول العالم كالأخطبوط لاستخدام أدواتها واستراتيجيتها للضغط على حكوماتها ومن ثمَ الضغط على الفلسطينيين مالياً وسياسياً ودبلوماسياً للتراجع وسحب الطلب من المحكمة.
الثاني : حملة تشهير إعلامية دولية مسعورة بالمحكمة الجنائية الدولية وقضاتها وتاريخهم وأحقيتهم في تولي مناصبهم وعلى رأسهم بالطبع المدعية العامة فاتو بنسودا، وقد بدأت فعلا هذه الحملة في صحيفة "يديعوت احرونوت" التي زعمت أن ماضي بنسودا لا يخولها أن تحكم بالعدل، فقد كانت تعمل كمحامية لرئيس غامبيا الاسبق والاشد دموية يحيى جامح. وتجاهلت الصحيفة انجازات بنسودا على مدى سنوات طويلة في ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب وخاصة ضد النساء والأطفال.
والمفارقة ان بنسودا كانت تعد، حتى قبل اسبوع واحد، صديقة لاسرائيل وتم الاشادة بها لدفاعها عن "القانون والعدالة " حسب الرواية الاسرائيلية لأنها رفضت فتح تحقيق للمرة الثالثة في حادث سفينة مرمرة التركية في ايار 2010.
حقيقة أشفق على هذه المرأة الشجاعة مما سينالها في الأيام القادمة من اتهامات وتشهير وروايات كاذبة.
أما الثالث فهو المستوي الدبلوماسي والذي سيشهد حملة اسرائيلية لا تعرف الكلل والملل للضغط على بعض الدول الصغيرة والكبيرة من اصدقائها لسحب أو تجميد الاعتراف بالمحكمة وقراراتها وعدم التعاون معها وربما وقف التمويل لها.
يثبت الاسرائيليون يوماً بعد يوم أنهم يتوارثون إشكالية فكرية منغلقة، فحتى اللحظة لم تخرج العقلية اليهودية من خرافات التفكير الديني المحرّف بأنَ لهم عند الله خصوصية دون البشر، وأنَه سيكافؤهم على قتلهم الانبياء، وأنَ الجنة خلقت لهم والنار لغيرهم، وأنَ اتهامهم للمسيح حق. ولهذا لا يمكن لمن تسكن عقله هذه الخرافات التي تمده بالقوة الروحية واللا أخلاقية لتبرير كل جرائمه إلا أن يصاب بهستيريا ولا يستوعب اتهامه وملاحقته بتهم جرائم حرب، فعلى الفور وكرد فعل سيستحضر تاريخه المشوه في الوعي الداخلي بأنًه دائما مظلوم ومهمش والمسألة بالنسبة اليه أكون وحدي أو لا أكون !
دعوا المحكمة تحكم بأخلاقيات الجيش الاسرائيلي؟ دعوا المحكمة تحكم بحق القصف والضرب والقتل والتشريد وانتزاع الأرض!
الطريق ليس سهلاً بل طويل، ويمكن ان يمتد لسنوات وعلينا كفلسطينيين أن نختار بعناية قصصاً انسانية عانت وما تزال جرَاء الاعتداءات الاسرائيلية.
الحمد لله جاءت نهاية 2019 نصرة للفلسطينيين.
وكل عام وأنت بخير.
نقلاً عن: صحيفة القدس