حمادة فراعنة - النجاح الإخباري - لم تعد الحنونة مجرد مجموعة هواة يلتفون حول أنفسهم، ويجتمعون للدبكة والغناء وتوزيع الفرح، بل تحولت إلى فرقة، بل مؤسسة أردنية احترافية بامتياز، لها ساكنوها وشاغلوها وأغانيها وشبابها وصباياها، ومجلس إدارة، ومجلس أمناء، من ذوات سياسية ومهنية لديها الامكانات ويملكون القدرات، يعملون بلا تفرغ لاستعادة رواية شعب، وتلبية احتياجات الفرقة المالية والفنية والإبداعية والتسويقية.
الحنونة مثل تنوعات الفرق الشركسية والمعانية والعقبوية وغيرهم من الفرق الأردنية المبدعة التي تعمل على حفظ المكان والزمان عبر الإنسان، وتتميز عنهم أنها تتوسل كي تبقى مسكونة بالهم الفلسطيني معبرة عن تراثه ورواياته وقصصه القروية والمدنية والبدوية، وحفظها واستحضار كل ما له صلة بفلسطين تاريخاً وواقعاً، أملاً ومستقبلاً.
ولهذا الذين حضورا حفل الحنونة من طاهر المصري وميشيل الصانع وتوفيق فاخوري وآخرين، دفع كل واحد منهم خمسة الاف دينار لشراء ثوب فلسطيني مطرز بحياكة الغرزة اليدوية، أو الذين حضروا بشراء تذكرة المشاهدة بخمسين ديناراً، حضروا للدعم، أو كي يروا ما فقدوه في زحمة الحياة من فلسطينيتهم، أو لتعويضهم عن قساوة الغُربة، وأقلهم حضر تضامناً وفرحاً ومتعة.
الحنونة في أداء شبابها رفيعة المستوى رقصاً وغنى وموسيقى وملابس، منغمسون حتى نخاع العظم بما يفعلون ، بحماس، مع إنهم يعملون بلا أجر حقيقي مناسب، مجرد مكافآت، يؤدون الدور باحترافية وتحد وانشغال ذهني وحركي، فردي وجماعي، كأنهم كتيبة مقاتلة في معركة، وإن كانت بعض مشاهد العرض سقطت في الإطالة العرضية نسبياً، مما تحتاج لفقرات قصيرة، وقصص مضمومة سريعة كي يلتقط فكرتها الجمهور ويبقى ممسكاً بها وتترسخ في ذاكرته دالة على فكرتها ومغزاها.
« يجب أن تبقى الحنونة» لخص فكرته طاهر المصري كزعيم سياسي ورمز وطني، ورد عليه المهندس وديع أبو إرشيد بقوله « ولكن يجب أن تتطور لا أن تبقى أسيرة الروايات القديمة وحفظها»، ولذلك رد عليه أحد المهتمين بقوله: على الحنونة أن تستحضر إبداعات وليد سيف وإبراهيم نصر الله ومحمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وروايات جبرا وقصص رشاد أبو شاور، وكل الأفذاذ الذين خلدوا التراث والنضال ويصنعون مستقبل فلسطين بكلماتهم في مواجهة التضليل والتغريب وطمس روح شعب عمل المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي على إنهائه وذوبانه وطرده بل واجتثاثه، فتمزق إلى نصفين ما بين صمود نصفه باق هناك في القدس والضفة والقطاع، امتداداً للجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، ونصفه مشرد مشتت تعيش فلسطين داخله أملاً ورغبة وحلماً في العودة واستعادة ما فقدوه.
ستبقى الحنونة عنواناً مبدعاً، ومشروعاً وطنياً ومؤسسة أردنية ليست لها علاقة بالسياسة، ولكنها تعيشها وتجسدها فناً ولحناً ورواية، ولهذا تستحق الانفعال بها ومعها، كي تواصل الطريق معاً وسوياً نحو فلسطين. والشكر أخيراً للدكتور موسى صالح الذي لا أعرفه طبيباً مهنياً، أو مديراً لمستشفى، ولكن عرفته مالكاً القدرة على التسلل إلى نفوس وجيوب الحضور لدفعهم نحو الانحياز إلى ....الحنونة.