حمادة فراعنة - النجاح الإخباري - يتعرّض الإعلامي الفلسطيني سامر أبو زياد لحالة اختبار كنموذج إنساني يخضع لعمليات الاختيار، بين قلقه خشية فقدان إقامته بالقدس كمقدسي ولد وعاش ويرغب في البقاء في حواريها وأحضان مقدساتها، وبين هويته الوطنية الفلسطينية، وبين فرص تجديد جواز سفره الأردني أو فقدانه بعدم التجديد، وهو يتمسك به ليست بصفته وثيقة تنقل ضرورية له نحو البلاد العربية، بل باعتباره وثيقة مرجعية دالة على انتمائه القومي، فهو لا يملك المقدرة أو الشجاعة الداخلية على فقدانها، بل ويُصر على التمسك والتشبث بها، وعياً ومصلحة ورؤية مستقبلية، تحدد مسار أولاده وعائلته، ويقول: نتعلم من رغبة فلسطينيي مناطق 48 في اندفاعهم لتأدية فريضة الحج ومناسك العمرة تعبيراً عن انحيازهم ورغبتهم في تأكيد إسلامهم وعروبتهم بالزيارة الحجازية، وفي استعمال جواز السفر الأردني، وغالباً يختارون إرسال أولادهم وبناتهم للدراسة الجامعية في الأردن، للسبب نفسه، تأكيداً لاكتساب المهارات والوعي والتفكير والانغماس بالعادات والقيم والمفردات وتفاصيل الحياة العربية حينما يتعلمون من الأردنيين، ويقول نحن كذلك: مثلهم، وهذا ما نرغبه حينما نتطلع نحو الأردن، ولأنه كذلك تعرض للاحتيال والابتزاز وللنصب وهذه قضيته الشخصية، ولكنه حالة فردية إنسانية دالة على قدرة التعبير عن النفس، وقدرة اكتساب الوعي في حُسن الاختيار نحو التوفيق بين مقدسيته وفلسطينيته وقوميته العربية.
لقد نجحت الصهيونية كمشروع سياسي استعماري هدف قيام « دولة دينية قومية» على أرض فلسطين عبر تحقيق غرضين أو عاملين: أولهما احتلال الأرض، وثانيهما طرد البشر، أي احتلال فلسطين بمساعدة الاستعمار البريطاني المنتدب تنفيذاً لوعد بلفور، وشاء لها ذلك بسبب تفوقها وألاعيبها ووسائل خستها وانحدارها غير الأخلاقي، وقد حققته ولكنها فشلت في تحقيق العامل الثاني وهو طرد كل البشر، أي أخفقت على طرد كل الشعب الفلسطيني عن أرض وطنه، حيث بقي نصفه متشبثاً صامداً رغم كل وسائل الترهيب والتصفية والجرائم والمجازر التي ارتُكبت بحق الفلسطينيين وبقي نصفهم على أرضه في ظل ظروف قاسية صعبة تنخ لها الجبال ولكنها رضخت أمام صمود الأجيال عبر عنهم توفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم عن معايير الصمود والمواجهة والمقاومة، والحصيلة أن هنالك شعباً فلسطينياً على الأرض، لم تعد وسائل الإفقار والتدمير والقتل اليومي السائد من قبل جيش الاحتلال وأجهزته ومستوطنيه المستعمرين تعطي نتائج استجابة سلبية نحو تهجير ورحيل فلسطيني عن فلسطين.
شعب يتمسك بالبقاء ويتكيف مع الصعوبة والقسوة وضيق فرص الاختيار، لم يعودوا جالية صغيرة ضعيفة تتوسل المساومة على فرص البقاء واستمرارية الحياة، بل يفرضون إرادتهم بقوة التمسك بالبقاء في وطنهم الذي لا وطن لهم غيره، والسؤال ماذا نحن فاعلون ونحن نشهد حالة الاشتباك السياسي الأردني مع حكومة المستعمرة وفريقها المتطرف بقيادة نتنياهو: لا خيار لنا سوى الحفاظ على أمن الأردن واستقراره رغم الضغوط السياسية والاقتصادية وأحد أسبابها ومسبباتها هو تصادم المصالح الوطنية والقومية الأردنية مع سياسات المستعمرة الإسرائيلية وإجراءاتها.
كما لا خيار لنا سوى دعم الشعب الفلسطيني باتجاه صموده على أرضه أولاً وفي اسناد نضاله لاستعادة كامل حقوقه على أرضه ثانياً : حقه في المساواة في مناطق 48، وحقه في الاستقلال في مناطق 67، وحق اللاجئين في العودة، ولا خيار لنا وأمامنا غير ذلك.