أنور رجب - النجاح الإخباري - هكذا هم أصحاب الفكر الظلامي التكفيري يعشقون كل قبيح، ويتحينون كل فرصة ليعبروا عن قبحهم وقبح أفكارهم، والفرصة بالنسبة لهم هي الجمال، فكلما ظهر شيء جميل ظهر قبحهم، وكأنهم مصرون على حرمان غزة لحظات من الفرح والسعادة تسترقها وسط هذا الكم الهائل من الأزمات والكوارث والمظاهر القبيحة من ظلم وبغي وفساد وقهر، وتتجاهل فتاواهم كل هذا القبح، وتوجه سهامها لمجموعة من الشباب، كل ذنبهم أنهم يجوبون قطاع غزة من شماله الى جنوبه لرسم البسمة على الوجوه البائسة، وأن ينثروا عبير كلماتهم وسط النفوس اليائسة المحطمة، وأن يُطربوا الآذان بألحان موسيقاهم بدل صداع الميكروفونات لدعوات الموت المجاني على السلك.
فرقة صول الغنائية تضم أربعة شبان وفتاة، أخذوا على عاتقهم ان ينثروا وينشروا الجمال في قطاع غزة وعلى أهلها وسط أجواء ملبدة بالأفكار الظلامية، ورغم ما واجهوه من مضايقات ومحاولات لوأد فكرتهم ومشروعهم، إلا أنها لم تنل من عزيمتهم وطموحهم، فكان مهرجانهم المركزي في نيسان/ابريل 2016، وشاركوا ضمن مهرجان فلسطين الدولي عام 2018 داخل قاعة الشاليهات على شاطئ بحر غزة، وتمكنوا في نيسان 2019 من المشاركة مرتين ضمن احتفالات جرت في رام الله والقدس، وقد بدأوا الآن بتنفيذ برنامج وصلة، وهو عبارة عن بث أغنيات وطنية وتراثية بعد تصويرها في أماكن لها رمزيتها في غزة، وما ان انتهوا من بث أغنيتين، الأولى تم تصويرها على دوار النجمة في رفح، والثانية عند صرح الجندي المجهول، حتى أطل الغول برأسه على هيئة أستاذ ومحاضر في الجامعة الإسلامية، وهو عضو في الاتحاد العالمي "لعلماء" المسلمين (اتحاد جماعة الاخوان)، وعضو مجلس ادارة رابطة "علماء" فلسطين (مؤسسة تابعة لحماس) ويعلن "فتوى" ويقول: "فرقة صول الغنائية التي تجوب قطاع غزة من شماله الى جنوبه، تنتهك حرمات الله، بالترويج للتبرج والسفور، وتزين الاختلاط، وتدعو بأفعالها لتمييع الشباب، والتشجيع على المأثم، وفعلها منكر ظاهر، ومنعها واجب في حق صاحب السلطان، والتساهل معها يفضي إلى فساد كبير، وشر مستطير... ولا يجوز للعامة ولا الخاصة الترويج لهم، ولا الاجتماع عليهم، ولا الاستماع لأغانيهم، ولو كانت وطنية". هذه الفتوى دعوة صريحة للقتل، وتعبير لا لبس فيه عن الفكر الداعشي الإرهابي، ومن كان يعتقد أن هذه الفتوى سلوك فردي فهو على خطأ، فهذا "المفتي" يعبر عن منظومة فكرية تبلورت في غزة واتسعت رقعتها لوجود حاضنة هُيئت لها كل مقومات النمو والتكاثر، منظومة اختطفت الدين ونصَبت نفسها الوريث الحصري لله على الأرض، وتحت يافطة حماية الدين مارست كل الموبقات وصادرت الحريات وانتهكت الحرمات ورفعت الجهلة درجات، نعم هي منظومة متكاملة تحاول أن تخفي نفسها وتستتر خلف شعارات وأكاذيب سرعان ما ينكشف زيفها من خلال مواقف وتصريحات وفتاوى تصدر بين فترة وأخرى.
فهذا الظلامي وجد من نفس طينته من يؤيد فتواه، فانبرى زميل له في الجامعة الاسلامية وفي رابطة "علماء" فلسطين، وشغل سابقاً وزيراً للأوقاف والشؤون الدينية في حكومة حماس، لتأييد فتواه، وهو معروف بفتاويه ومواقفه الداعشية، وناصرهم في ذلك عدد لا بأس به من غلمانهم، ولم نسمع أو نرَ أي إدانة من قبل قيادة حماس أو من رابطة "علماء" فلسطين التابعة لها ولا من رئيسها محمد ابو رأس ولا غيره من المفتين وخطباء المساجد المنتسبين لها أم هو "السكوت علامة الرضا". ثم كيف لنا أن ننسى قرار وزير داخلية حكومة حماس السابق والقاضي بقياس منسوب الرجولة لدى الشباب، وملاحقتهم بسبب قصات الشعر، وهجوم وزير ثقافتهم السابق على التراث البدوي "الدحية"، وفتوى سابقة لأستاذ ومحاضر في الجامعة الاسلامية حين طالب بسن "قانون الزندقة"، أو عندما هاجم غلمناهم احتفالاً للأسرى وهم يرددون "علمانية بره بره"، ناهيك عن عبارات التخوين والتكفير التي تزخر بها خطب ورسائل خطباء المساجد، والأمثلة كثيرة ولا مجال لتعدادها وحصرها هنا.
هذه الأمثلة هي تعبير عن المنظومة الفكرية التي أشرنا إليها، والتي انتجت مجموعات إرهابية اكتوت حماس بنارها أيضاً، وهي منظومة تحتاج إلى جهود ضخمة لتفكيكها وعزلها، وهذا ما لا يمكن حدوثه دون تفاعل جدي وحقيقي داخل الحاضنة الرئيسية لهذا الفكر، والمتمثلة بالبنية الفكرية والتربوية لحركة حماس، ومثل هذه الفتاوى التي تصدر عن شخصيات معروفة بولائها لحماس ولا تقف امامها الحركة أو تدينها تثير الشك في جدية حماس بإجراء مراجعة نقدية حقيقية لبنيتها الفكرية.
وبالعودة لفرقة صول، والتي تتردد أحاديث حول هجرتهم او هجرة بعضهم لقطاع غزة بعد هذه الفتاوى، وهذا أمر ليس مستغرباً، وإن كان يمثل خسارة كبيرة كونها تعبر عن وجه مشرق وحضاري لقطاع غزة أمام هذا السيل من الافكار الظلامية، فإن هناك مسؤولية كبيرة أمام الحكومة الفلسطينية أولاً ولا سيما وزير الثقافة، ثم النخب من الكتاب والمثقفين ورجال الدين التنويريين، والمؤسسات والمعاهد المهتمة بالموسيقى والفن، وتكمن مسؤوليتهم في رفض هذه الفتوى وتفنيدها، وتقديم كل أوجه الدعم والمساندة لهذه الفرقة والظواهر المشابهة. ولا بد من التوضيح أن القضية ليست خاصة بفرقة صول وحسب، وإنما هي دفاع عن فكرة الحرية بكل تفاصيلها وعن الإبداع والجمال والتحضر في مواجهة التخلف والظلامية.
سأختم مقالتي هذه بعبارة ومناشدة وردت على لسان الشاب محمد عنتر – عضو فرقة صول في تغريدة له، إذ وبعد أن سرد معاناتهم طوال الفترة الماضية بسبب ملاحقة داخلية حماس لهم والتدخل في تفاصيل نشاطاتهم وعروضهم ومشاركاتهم حتى في كيفية تفاعلهم مع الجمهور، والاتهامات التي وجهت لهم بالتعامل مع جهات خارجية بسبب حصولهم على تصاريح للمشاركة في احتفالات جرت في رام الله، يقول: (في نهاية حواري أنا بأعلق وبكتب جملة أهم من كل يلي حكيته، خوفي ع "زميلتنا رهف" لأنها ما زالت في غزة ممن كتبوا على صفحاتهم بالإساءة لنا وكأننا كفار، يغلب على سعادتي بإطلاقنا لبرنامج وصلة)، ولمن لا يعلم رهف هي الفتاة الوحيدة في الفرقة ولم تتجاوز الستة عشر ربيعاً، وتتمتع بصوت ملائكي وبوجه طفولي، تسر العين ويرقص لها القلب، طوبى لفرقة صول وطوبى لرهف حماها وحفظها الله وهو خير الحافظين.