عبد الناصر النجار - النجاح الإخباري - تصريح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بـ»أن المستوطنات لا تخالف القانون الدولي «يأتي ليكمل مسيرة العطايا المجانية الأميركية للاحتلال، ويزيد الأوضاع في المنطقة سخونة مع أن الأجواء تبدو أكثر برودة من أن تشعل مواجهة شاملة في هذه المرحلة.
الفلسطينيون يتلقون الضربة تلو الأخرى، يصيحون، ويناشدون... دون أن يكون لصيحاتهم أثر، سوى عبارات مؤازرة أو تأييد إنشائي من هذه الجهة أو تلك.
الحقيقة المرّة هي أننا الآن أضعف من أن نرد على أي قرار أو نتخذ أي خطوة سياسية أو اقتصادية معادية، لأن مصطلح الرد القوي قد ألغي من قاموسنا الفلسطيني في الضفة الغربية، أما في قطاع غزة فهذا المصطلح أصبح مرتبطاً أكثر بحقيبة النقد الأخضر التي يحملها السفير القطري عبر مطار اللد أو كما يسمونه «بن غوريون» ثم إلى حاجز بيت حانون أو كما يسمونه «إيرز» لتوزع كجوائز ترضية، من أجل الصمت والقبول بالحد الأدنى من العيش الآدمي.
ربع قرن على اتفاق أوسلو، كان بالإمكان فقط في السنوات الأولى أن نقيم الدولة أو نحافظ على مصالحنا.. عندما كان يعتبر الاستيطان جريمة، والمستوطنون إرهابيين .. وكنا قادرين على المواجهة.
هل تذكرون تلك الحادثة البسيطة عندما حاول مستوطنو «بسجوت» الجاثمة على أراضي البيرة شق طريق جديدة نحو المستوطنة، كيف خرجت الجرافات الفلسطينية لتدمر تلك الطريق؟!! حينها كان للفلسطينيين قدرة على الحديث والفعل، ولكننا قتلنا الفعل، وتركنا لأنفسنا الحديث، الذي ربما يعتبر مستقبلاً إرهاباً؟!! فلا نستطيع حينها حتى الصراخ مع أن الضربات تنهال على رؤوسنا.
في غزة المتحدث باسم حماس يقول: نحن في انتظار تجديد المنحة القطرية، وإنه في حالة عدم التجديد فإن الوضع سيتدهور والأمور قد تنفلت. نعم، هذا هو هدف المال القطري كما قال نتنياهو أكثر من مرة، فهو يجلب الهدوء المؤقت، وإذا ما تم خرق الهدوء سنرد؟!! وهو موقف السفير القطري الذي يؤكد أن هذا المال هو من أجل تهدئة الوضع وعدم تدهور الأوضاع إلى مواجهة شاملة؟!
هل يوجد أكثر من هذا الضعف والهوان.. كل ما ينتظر شعبنا المقهور في غزة هو ١٠٠ دولار كي يصمت، أو يظل كحصان الساقية يدور حول نفسه، غير قادر على تحرير نفسه.
السلطة الفلسطينية أيضاً، تواجه وضعاً معقداً وصعباً وخطيراً، ولا تملك سوى مزيد من الإدانات والاستنكارات. لاحظوا هذا الكم من تصريحات المسؤولين والفصائل والمؤسسات الأهلية والشخصيات الاعتبارية التي صدرت رداً على إعلان وزير الخارجية الأميركي، لكن ما زلنا نملك ورقة مناشدة الدول العربية والأمم المتحدة لعقد الاجتماعات بمسمياتها المتعددة، التي تصدر بيانات هي مجرد كلمات لا معنى لها، فلا الاستيطان توقف، ولا خطر ضم الأغوار ابتعد ولو قليلاً، بالعكس فالأميركي أعطى دولة الاحتلال الضوء الأخضر لضم الأغوار وربما المرتفعات الغربية والمستوطنات كافة تحت بند الدفاع عن النفس وحفظ أمن إسرائيل ليس ببعيد، إذا ما بقي الوضع الفلسطيني البائس على حاله.
كاتب إسرائيلي يقول في مقالة، أول من أمس: «من يصدق ما يحدث اليوم، ففي الوقت الذي كان فيه الصراع على إخلاء المستوطنات وتدميرها أصبح الصراع على ضم المناطق (أراضي الضفة) «.. الإسرائيليون لا يصدقون هذه التطورات السريعة التي ترقى إلى الحلم أو الخيال، والفلسطينيون تائهون مشوشون، والعرب غارقون في مشاكلهم .. فقد خلق لهم عدو مركزي اسمه إيران. وربما أصبحت إسرائيل صديقاً للبعض على قاعدة عدو عدوي صديقي، حتى المساعدات المالية العربية لم تعد تتدفق وإن وصلت تكون بشق الأنفس، ولم يعد الفلسطينيون والقضية الفلسطينية في مركز الاهتمام عند النظام العربي المستحدث.
أمام هذا الوضع الشائك هل من مخرج؟ ومن يتحمل المسؤولية عن وضعنا البائس الذي أوصلنا إلى حالة «الصوملة» التي خلقناها بأيدينا؟.
إذا ما استمر الاستيطان على حاله وتم ضم منطقة الأغوار والجبال الغربية، فهذا يعنى أننا قبلنا بالسجن الكبير، وأن الدولة المستقلة أصبحت حلماً إلا إذا نسفت استراتجيتنا البائسة التي اعتبرناها مرجعاً لا بديل عنه.
مرة أخرى، عندما يصبح همنا تجديد المنحة القطرية هناك، أو إيجاد حلول من خلال الاستنكارات والمناشدات هنا دون أن يكون لنا بناء داخلي قادر على الصمود والمواجهة.. فإن البديل هو تغول الاحتلال والاستيطان وانفلات الإرهابيين المستوطنين في حرق سياراتنا وممتلكاتنا ومنازلنا، ونحن ننظر إلى الإرهابيين بخوف غير مسبوق.