النجاح الإخباري - بقلم : الاعلامي عمري حسنين
بصوتها المخملي غنت للحب والقلب.. للوطن والسلام.. للحلم والأمل..
وبعذوبة وشجن غنت للأرض والسماء.. للأسير والشهيد.. للنبع والوادي..
تموج بصوتها الشادي برقة و إحساس، وبمشاعر وردية ترسم لنا لوحة لزمن معتق بعبق الياسمين، وعلى جناحيها كالطير ترفرف بنا عالياً حيث تهيم الروح مع العقل .. لتأخذنا في رحلة عبر الذاكرة وتنثر علينا مزيجاً من الأصالة والعراقة..
هي في حالة تواصل مستمر مع الماضي.. عرفت بفنها المستمد من وجدان وتاريخ الشعوب العربية، وتميزت بإتقانها لأساليب غنائية مختلفة استطاعت من خلالها توظيف إمكانياتها الصوتية بشكل رائع، وبنقاء صوتها الصداح و عنفوان حنجرتها الدافئة قاومت محاولات طمس التراث والفن الأصيل، فتغنت بتراث فلسطين وأعادت إنعاش الهوية الفلسطينية وأغنيات التاريخ العريق، واستعادت الموروث الشعبي الفلسطيني ونقلته إلى العالم من خلال رسالتها الفنية الهادفة..
تميزت وحققت نجاحات أسطورية في شتى المجالات، فعلى الصعيد العلمي حققت لها مجداً آخراً و أنفراداً مشرفاً بحصولها على درجة الدكتوراة في مجال علوم الدماغ وفسيولوجيا الأعصاب كأول طالبة فلسطينية تخوض في هذا المجال...
إنها ابنة ناصرة المجد والحضارة الفنانة المبدعة {دلال أبو آمنة}
ولدت في مدينة الناصرة في ٩/٨/١٩٨٣، وتنتمي لعائلة محافظة تعشق الفن، والدها السيد "غازي أبو آمنة" يعزف على آلة العود، ووالدتها السيدة "جهينة الهواري" تمتلك صوتاً جميلاً لكنها لم تحترف الغناء، ولديها 4 شقيقات سلام و جيهان ونداء وفاتن، شقيقتها الأكبر سلام لديها صوت جميل جداً وتغني الأغنيات الوطنية والغناء الكلاسيكي وتشارك في الحفلات والبرامج التلفزيونية، أما شقيقتها الصغرى جيهان تمتلك صوتاً رائعاً ولديها نشاطات فنية منوعة، وشقيقتيها نداء وفاتن تعملان في مجال الفنون البصرية وأبدعن في الرسم والتصميم والتصوير. تأثرت دلال كثيراً بجدها والد أمها السيد "سامي الهواري" الذي كان يمتلك صوتاً جميلاً جداً وكانت تردد عنه بعض المواويل وأغاني التراث الفلسطيني.
أول مشاركة فنية لدلال كانت في سن الرابعة!! وعن محض الصدفة ؛ حيث شاركت في مسابقة(أميرة الربيع) عام ١٩٨٧ ونالت حينها اللقب عن أدائها لأغنية مريم مريمتي، ولم تكن قد أكتشفت بعد موهبتها الفذة، حيث بدأت موهبتها بالإشراق في جيل الثالثة عشرة بعد أن اكتشفتها الأخت ربيعة مدربة جوقة مدرسة المطران في الناصرة، حيث أخذت دلال تشارك في الحفلات المدرسية وتؤدي أغاني السيدة فيروز إلى جانب أغاني التراث الفلسطيني والأغاني الوطنية، ولاقت على أثر هذه المشاركات تشجيعاً كبيراً من الكادر التعليمي وعائلتها والأصدقاء، وفي السادسة عشرة من عمرها تأثرت بكوكب الشرق أم كلثوم وكانت تؤدي أغانيها رغم صعوبتها، وتألقت في أداء أغاني الطرب الأصيل إلى جانب أغاني التراث الفلسطيني، مما ساعدها على صقل شخصيتها الفنية وتقوية قدراتها الصوتية وجعلها تحظى بشهرة واسعة، ومن هناك كونت فرقتها الخاصة واتجهت الى إحياء الحفلات والمهرجانات المحلية والعالمية رغم صغر سنها، حيث ارتبط اسمها منذ بداية مشوارها الفني بالفن المعتق، و تألقت في الأداء الطربي إلى جانب الغناء الأندلسي والإنشاد الروحي والصوفي والتراث الشعبي لبلاد الشام خاصة التراث الفلسطيني، وغيرت مفاهيم الفن العربي من خلال رسالتها الفنية السامية وعملت على تطوير الفن الفلسطيني والإرتقاء به لنشره في كافة أرجاء العالم كوسيلة لترسيخ الهوية الفلسطينية ودعم قضايا الشعب الفلسطيني والمحافظة على هذا الإرث الثمين من الإندثار، كما أتقنت تحديث وتطوير الفن التراثي وأعادت إنعاش الأغنية الشعبية والوطنية الفلسطينية بطريقة رائعة مع الحفاظ على عراقتها وأصالتها، وصنعت إندماجاً رائعاً بين الطرب والكلاسيكيات والتراث الشعبي والغناء الوطني.
أشاد بصوتها كبار الفنانين والملحنين العرب، منهم الملحن الكبير صلاح الشرنوبي، والفنانة ماجدة الرومي، والفنانة أصالة نصري التي وصفتها بأنها أجمل صوت قد سمعته في العالم العربي.
أطلقت دلال أولى ألبوماتها الغنائية بعنوان "كريم يارمضان" في عام ٢٠٠٧، وفي عام ٢٠١٣ أصدرت ألبومها الثاني "عن بلدي" الذي تضمن ١٠ أغنيات حيث كان أول بصمة في تاريخها الفني، وفي عام ٢٠١٥ أطلقت دلال مشروع كامل عن التراث الفلسطيني بعنوان "ياستي"، الذي تبعه إصدار ألبوم موسيقي وفيديو كليب ترويجي يحملان نفس الإسم، يتكون هذا المشروع من مجموعة من الجدات الفلسطينيات (من بينهن والدتها السيدة جهينة الهواري) اللاتي أطلقت عليهن دلال اسم "حافظات التراث" و اللاتي يتغنين معها على خشبة المسرح بوصلات غنائية نسائية من التراث الفلسطيني، في لوحة عفوية جعلتها دلال مساحة من الفرح للعودة إلى الماضي والتاريخ العريق، وإبراز دور الجدات الفلسطينيات في حماية هذا التراث وتلقينة إلى جيل الشباب، بحيث يحمل هذا المشروع ٢٤ أغنية فلسطينية قديمة كانت متداولة من بداية القرن الماضي أعادت صياغتها مع ضمان الحفاظ على أصالتها، تم إنتاجها بالتعاون مع طاقم يضم مجموعة من الموسيقيين المحترفين بقيادة الموزع الموسيقي درويش درويش والباحثة في التراث السيدة نائلة لبس والمخرج عامر حليحل،
حيث لاقى المشروع نجاحاً رواجاً كبيراً جعله يجول مسارح العالم بدعوات للمشاركة في المهرجانات الفنية والثقافية، وتم تصوير الكليب الترويجي في إحدى القرى الفلسطينية المهجرة، وكان إهداء لكل شخص هجر من بيته عام ١٩٤٨.
ومن المرتقب انطلاق ألبومها الصوفي الروحاني "نور" الذي يتغنى في حب الله، حيث تم تسجيله في فيلادلفيا ويقدم مقطوعات من الشعر العربي الصوفي لكبار الشعراء الصوفيين العرب منهم رابعة العدوية والحلاج وابن الفارض والرومي وابن عربي.. بالتعاون مع الملحن كنان أبو عفش، والمشرف الموسيقي حنا خوري.
قدمت للساحة الفنية المحلية والعالمية القصيدة والتهليلة والدعاء والنشيد، وأغنيات جديدة خاصة بها على الطراز المعتق التراثي الأصيل، تركت من خلالها بصمة راسخة في سماء الفن الشعبي والتراثي منها أغنية "عين العذرا" من كلمات والحان الموسيقار الراحل مارون أشقر وتوزيع الموسيقار حبيب شحادة حنا، والتي كانت من أنجح الأغنيات التي تضمنها البوم عن بلدي حيث تربعت على قمة سباق الأغنيات المحلية... وأغنية "بكرا جديد" التي لاقت نجاحاً كبيراً وكانت ضمن الخمس أغاني المختارة في مهرجان مسابقة السلام الدولية للحوار بين الشعوب يوروميد Euromed الدولي، ورشحت من بين ١٠٥ اغنية دولية، من كلمات د.عنان العباسي والحان الملحن غسان حرب وتوزيع حسام حايك... ودعاء"برضاك" الذي نافس أهم الأعمال العالمية حيث تميز بكونه عبارة عن اندماج بين التراث العربي الأصيل والموسيقى الالكترونية، وكانت قد غنته أم كلثوم عام ١٩٤٤ وكتبه الشاعر بيرم التونسي ومن ألحان الموسيقار زكريا أحمد... وتهليلة "نامي" من الحان الفنانة دلال أبو آمنة وكلمات الشاعر محمد فقها، والتي استوحتها دلال من صورة مؤثرة جداً لطفل شهيد يحتضن أخته الشهيدة، وأهدتها دلال لأطفال غزة خاصة ولكل طفل سلبت منه طفولته... وأغنية "أشارة حق" التي كتبتها دلال بالتعاون مع الإعلامي مصطفى قبلاوي ومن ألحان حبيب شحادة حنا، والتي أهدتها دلال للأشخاص من ذوي الإعاقات السمعية حيث شاركت معها شقيقتها نداء وفاتن.
أطلت على أهم المسارح العربية والعالمية ومثلت فلسطين في العديد من المهرجانات والأوبريتات العربية منذ بداية مشوارها الفني منهم:
مهرجان تآخي الشعوب في اليونان وأسبانيا عام ٢٠٠٢، ومهرجان وحدة الأكراد في ألمانيا في العامين ٢٠٠١ و ٢٠٠٢
ومهرجان الدوحة الغنائي بمرافقة الشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم عام ٢٠٠٣
ومؤتمر الموسيقى العربية في دار الأوبرا المصرية بمرافقة أوركسترا MESTO الأمريكية بقيادة الموسيقار الفلسطيني العالمي نبيل عزام ٢٠٠١_٢٠٠٧
احتفالية القاهرة في هوليوود_ كاليفورنيا_ الولايات المتحدة بمرافقة أوركسترا MESTO عام ٢٠٠٨
كونسيرت من أجل أطفال غزة _ الدار البيضاء بمرافقة الفرقة المغربية بقيادة المايسترو صلاح مرسلي الشرقاوي عام ٢٠٠٩
مهرجان "ليالي الطرب في قدس العرب" بمرافقة الموسيقار العالمي سيمون شاهين ٢٠٠٩
مهرجان كان السينمائي_ حفل إطلاق مؤسسة الدوحة للأفلام_ فرنسا عام ٢٠١٠
كونسيرت فني بمرافقة أوركسترا MESTO في دار الأوبرا السلطانية في مسقط_ عمان عام ٢٠١٢
مهرجان الأغنية العربية الخامس عشر_ اتحاد إذاعات الدول العربية عام ٢٠١٠
كونسيرت "عن بلدي احكيلي" الذي أعاد للأغنية التراثية الفلسطينية حضورها، حيث تنقل في عدة مدن من الداخل منها حيفا وشفاعمرو والقدس ورام الله بالإضافة إلى مدينة القاهرة
عرض فني على مسرح فلهارموني_ باريس عام ٢٠١٨ بمرافقة الأوركسترا العربية بقيادة الفنان رمزي أبو رضوان.
كما شاركت في أعمال فنية عربية ضخمة مثل أوبريت "أرض الأنبياء" عام ٢٠١٢ للملحن الكبير صلاح الشرنوبي، ومن إنتاج واخراج وكلمات الشاعر رامي اليوسف، وبمشاركة النجوم من الوطن العربي.. طلال سلامة وزين عوض ولطف بشناق، وأحمد قعبور، ونورا رحال، وعمار حسن، والملحن صلاح الشرنوبي الذي لأول مرة يشارك بالغناء في عمل فني... و شاركت ايضا في أوبريت "نداء الحرية" عام ٢٠١٤ من ألحان الفنان التونسي لطفي بشناق وكلمات الشاعر رامي اليوسف وبمشاركة الفنانين لطفي بشناق وعلي عبد الستار ومدن صالح وزين عوض.
أختيرت الفنانة دلال أبو آمنة لتكون المغنية الرئيسية في فرقة أوركسترا MESTO العالمية التي تقدم خلالها أغاني الطرب العربي والتراث الفلسطيني بمرافقة موسيقيين غربيين وبتوزيع أوركسترالي. كما تم تكريمها في عشرات المهرجانات في فلسطين وحول العالم عن دورها في دعم القضايا الوطنية وإعادة إحياء التراث العريق والطرب الأصيل، حيث تم اختيارها كواحدة من الشخصيات التي تساهم في الحفاظ على الموروث الفني في العالم العربي في مهرجان اتحاد اذاعات الدول العربية في تونس ٢٠١٥... و كرمت كامرأة فلسطينية نموذجية في المهرجان الفلسطيني في هيوستن ٢٠١٥.. و كأفضل شخصية فنية في فلسطين من قبل مؤسسة سيدة الأرض لعام ٢٠١٦، و كواحدة من أفضل الشخصيات النسائية في فلسطين من قبل وزارة الثقافة الفلسطينية عام ٢٠١٧.
ولاننسى مشاركتها الرائعة في برنامج المواهب Best Talent حيث كانت ضمن لجنة التحكيم إلى جانب الفنان عمار حسن والفنان محمد ابو سلعوم ومدربة الرقص دنيس خميس.
وعلى صعيد النجاحات، فقد سطرت الإبداع العلمي إلى جانب النجاح والتألق الفني .. حيث كانت الفنانة دلال أبو آمنة متفوقة جداً في دراستها منذ طفولتها، على الرغم من إندماجها بالفن في سن مبكرة، عندما أنهت الثانوية العامة من مدرسة المطران (الإكليريكية) عام ٢٠٠١، التحقت بمعهد التخنيون في حيفا، وفي عام ٢٠٠٣ حصلت على منحة تفوق لدراسة موضوع علوم الدماغ وعلم النفس في القدس حيث كانت أول طالبة من الوسط العربي تدرس هذا الموضوع الدقيق، ومن ثم التحقت ببرنامج الدراسات العليا في معهد التخنيون التطبيقي حيث حصلت على درجة الماجستير في العلوم الطبية بتخصص علم الدماغ، ومؤخراً؛ أتمت أطروحتها للدكتوراه في علوم الدماغ وفسيولوجيا الأعصاب، بعد رحلة علمية طويلة تعمقت من خلالها في هذا المجال البالغ التعقيد، حيث قدمت أبحاثاً مثمرة وجديدة في علم الدماغ، وكانت لها أصداء عالمية نشرت في عدة مجلات علمية مرموقة على مستوى العالم، لتصبح بذلك الباحثة والدكتورة الفنانة دلال أبو آمنة مثالاً يحتذى به للمرأة العربية المكافحة والمثابرة التي تتقن صناعة النجاح، حيث استطاعت أن تكون فنانة وزوجة وأم وطالبة علم، وأثبتت نفسها في عدة مجالات و حقول مختلفة.
وخلال رحلتها العلمية والفنية الطويلة والمثمرة كان الداعم الأول لها والمنتج لغالبية أعمالها ومشاريعها الفنية هو زوجها الدكتور والشاعر د.عنان عباسي نائب مدير مستشفى رين في صفد، الذي تخصص في جراحة العيون والحاصل على اللقب الثاني في علم الوراثة الجزيئية، ودرجة الماجستير في إدارة النظم الصحية من جامعة تل ابيب، حيث نشأت بينهما قصة حب جميلة تكللت بالزواج عام ٢٠٠٦ وكان ثمرة حبهما "لور" و "هشام"، حيث تعرف على دلال من خلال أغنية "أنا قلبي وروحي فداك" التي كتب كلماتها والتي قدمتها دلال للمرة الاولى في مهرجان عرفزيون حيث لاقت نجاحاً كبيراً ، كما أبدع في كتابة عدد كبير من الأغنيات والمواويل الخاصة بها.
فنانة فلسطينية راقية ومحافظة، تفخر أقلامنا بنقش إنجازاتها المشرفة كونها رفعت اسم فلسطين عالياً أمام العالم أجمع، وضربت مثالاً رائعاً للمرأة الفولاذية التي تتحدى الصعاب، واستطاعت بصوتها العذب وأدائها الرائع أن تلمس ذلك الجزء الحساس في قلب كل منا، ورسالتها الفنية الرائعة هي امتداد لتراث فلسطين العريق، ورسالة الماضي للجيل الحاضر ..ورسالة الحاضر لجيل المستقبل بأن التراث والإرث الحضاري هو جزء لا يتجزأ من القضية والهوية.