تحسين يقين - النجاح الإخباري - سيكون ربيعاً..
وسيكون خريفاً..
وما بينهما صيف، وبعدهما شتاء..
وقد قيل إن مواسم الأرض لها علاقة بالمرأة، بل إن كلمة الخصوبة قاسم مشترك بينهما والكون..
لقد تقدمت الحضارات القديمة على الحديثة في موضوع المرأة، ومن أراد أن يدرك عمق وجود المرأة في الكون، فله فقط العودة الى التاريخ القديم لا الجديد، الذي انما جاء كي يعيد بعض ما سلبته النظم من المرأة.
فكم كان تاريخنا القديم غنياً وأغنى أمم أخرى فعلاً، ذلك الذي يزهد به كثيرون، فلا يرون تاريخ فلسطين مثلاً إلا ألف عام وبضعة قرون؛ فمتى سيصحو القائمون على تعليم التاريخ في المدارس والجامعات، (إلا إذا اعتبر الصوت السلفي السائد بأن ذلك تاريخ أصنام، كما فعل رهبان روما مع تراث اليونان والرومان، حين جعلوه حبيس الأديرة)، تاركين للصوت الصهيوني ما يسوقه عن أسبقية الوجود، مع أن ما يسوقه هو أمر ملتبس أيضا؛ فلنا منه الكثير، لأصحاب المكان الأصليين.
- تتحدث في التاريخ؟
- منه كل الحكاية!
فليس اكتشافاً تقدير المرأة، لا في يوم المرأة العالمي ولا في يوم الأم اللذين نحتفل بهما في أول الربيع، بل لعل السيادة والمركزية كانت لها أطول فترة من التاريخ، وصولا لما يعرف بالانقلاب الذكوري، وتلك قصة جميلة..ربما لعبت فيها الصدفة وتأمل الرجل في المخلوقات حوله..
الآن بعد بضعة آلاف من السنين نقول، بنضج وحكمة، أنه آن الأوان لشراكة عادلة، ومفتاح ذلك أولاً التطهر من الصور النمطية.
ومع ان جوهر العدالة في تطبيقها لا في إحياء المناسبات حتى ولو كانت غالية علينا، إلا أننا نجد في هذا اليوم، الذي سيحتفل فيه شعبنا غدا، يوما للتوعية، خصوصا لدى الناشئة من الأجيال
تكريماً للمرأة الفلسطينية، واعترافاً بدورها الوطني التاريخي في النضال والبناء، جنبا إلى جنب مع الرجل، استحقت تخصيص هذا اليوم، للتأكيد على دورها من جهة، وتقدير شعبنا الفلسطيني لها.
وهو يوم وطني خاص بالمرأة، ينبع من تاريخ المرأة، حيث بادرت نساء فلسطين في مثل هذا اليوم الموافق 26/10/1929، إلى تأسيس أول اتحاد للمرأة الفلسطينية، والذي عقد في القدس، والذي جاء في سياق نضالي، أعقب ثورة البراق، ضد ما يهدد فلسطين من استعمار وتهجير يهود العالم اليها، لإنشاء ما يسمى بالوطن القومي، وفقاً لوعد بلفور المشؤوم، الذي أعطى من لا يملك لمن لا يستحق.
لقد جاء الحراك النقابي والوطني للمرأة الفلسطينية مبكراً جداً في السياق العربي والعالمي، وهو إن دل فإنه يدل على الوجود الحيّ للشعب الفلسطيني، ولمكانة المرأة الحضارية، والذي جاء في سياق النهضة العربية الحديثة، والتي كانت فلسطين أحد أهم ركائزها، في حواضر القدس ويافا ونابلس وغيرها.
لقد ارتبط إذاً هذا اليوم، بمناهضة الاستعمار من خلال التنوير والتعليم معاً، وهو الوضع الذي استمر في الحقب التاريخية اللاحقة، وصولاً ليومنا هذا، حيث وقفت المرأة الى جانب الرجل، في كل الميادين النضالية للحفاظ على الهوية والحقوق الوطنية، في الوطن والشتات، بعد نكبة عام 1948، حيث شاركت الرجل الأمل والعمل، ولم تهزمها حرب عام 1967، بل ظلت تواصل المسير نحو التحرر والاستقلال، لذلك، فقد تعمق الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، وصار رديفاً للثورة الفلسطينية، وجزءاً رئيسياً من منظمة التحرير الفلسطينية، قائدة النضال الوطني.
إن اليوم الوطني للمرأة الفلسطينية، هو يوم وطني بامتياز، يقف على تاريخ مميز، يحترم فيه مبادرة النساء للمشاركة في العمل الوطني، الذي يعدّ من أسمى الأعمال البطولية، ويتوج رحلة كفاح للمرأة استمر 90 عاماً، وما زالت لم تمل ولا تكلّ حتى تتحقق الحرية والتحرر والديمقراطية والعدالة. وهو كيوم وطني، يؤكد على يوم المرأة العالمي الذي يحتفل به العالم في الثامن من آذار كل عام، حيث يتعانق ما هو وطني ينطلق من تاريخ المرأة وتراثها الغني في فلسطين، مع ما هو عالمي ينطلق من تاريخ المرأة في العالم.
واليوم، ونحن نحتفل بهذا اليوم العزيز، الذي أقرته الحكومة، من خلال مرسوم حكومي خاص بادرت إليه وزيرة شؤون المرأة د. آمال حمد خاص بمباركة سيادة الرئيس، نجد أنفسنا، في كل الميادين، وعلى رأسها جميعا الميدان التربوي والثقافي؛ كونه الميدان الأول المؤسس للأجيال، حتى يظل احترام حقوق المرأة راسخا، بل ويتطور باستمرار، وصولا لما نصبو اليه من أهداف.
سيكون ربيعاً..
وسيكون خريفا..
في الربيع، أو بالأحرى في آخر اسبوعين للشتاء، سنحتفل باليوم العالمي للمرأة، لنعود بعد 7 أشهر للاحتفال باليوم الوطني للمرأة، بمعنى أنه ستكون هناك مناسبتان واحدة تؤسس للأخرى، الأولى في اليوم العالمي للمرأة، الذي أطلقنا عليه أيضاً يوم المرأة الفلسطينية، وهو اليوم الذي ظل يشهد حراكاً وطنياً وديمقراطياً حتى اليوم، وثمة الكثير ليقال عن دور المرأة في هذا اليوم في مناهضة الاحتلال، والثانية هي اليوم الوطني للمرأة، الذي يوطن المفهوم والجوهر والمبادئ الإنسانية.
من الضروري التأكيد على الدور التربوي والتعليمي والثقافي، في الحفاظ على الهوية والحقوق الوطنية، وبناء دولة فلسطين الديمقراطية، التي يهنأ فيها المواطنون في العيش بسلام ومساواة وعدالة، والتي من وسائلها حرية الكلمة والعمل النقابي، متذكرين باحترام تأسيس اتحاد المرأة الفلسطينية قبل قرن من الزمان.
سيكون ربيعاً..
وسيكون خريفاً..
وما بينهما صيف، وبعدهما شتاء..
إن توطين الاحتفالية بالمرأة يتم عبر جعل هذا اليوم تتويجا لأنشطة على مدار العام، لتحقيق هدف العدالة السامي، ومؤسسا لعام جديد، يتم التخطيط له، لتنفيذ مشاريع وخطط، تصب في الهدف نفسه.
ومن المهم التفكير الفعلي في هذا اليوم والتأمل فيه، والتفكير بما يمكن فعله، من خلال الشراكة بين المجتمع والحكومة معا.
كذلك من الضروري بمكان، فهم سياقات الماضي، والتحولات التي نعيشها اليوم، وغداً، من أجل فهم شمولي استراتيجي، يدفعنا باتجاه تحقيق العدالة للجميع، وضمان وصول النساء الفلسطينيات لمواقع صنع القرار، باتجاه التنمية وتحقيق البقاء كأكبر وسائل مناهضة للاحتلال.
- عدت لتتحدث في التاريخ؟
- وهل نزهد فيه وهو ما يعلمنا عن قصة التنوير العربي التي انطلقت من هنا يوماً؟
سياقات الماضي القريب تتحدث عن فرص التعليم للمرأة المحدودة، واليوم قد توفرت الفرص للمرأة، فلها ولشريكها الرجل فرصة الفاعلية فلسطينيا وعربيا، في التحولات التي نعيشها اليوم، خصوصا إذا كانت الديمقراطية الحقيقية عنوان الطريق والمنطلق.
تنوير، والتزام وطني يناهض الاستعمار والظلم والفجوات، هو ما نحتاج جميعا ونحن نمضي لتحقيق أهدافنا.
ولنا أن نستلهم مبادرة الماضي والحاضر، فكم من مبادرات بيننا!
ولنا أن نواصل استلهام خصوبة الأرض والمرأة والثقافة..
جميل في هذا اليوم تخصيص نشاطات تليق بنضال المرأة الفلسطينية، وإظهار الهوية من خلال التراث، كارتداء الزي الفلسطيني للنساء والرجال، مزينين بالكوفية رمز نضالنا الوطني.
تحية إكبار للمرأة الفلسطينية في يومها الوطني..تحية لارواح الشهيدات والشهداء.. تحية لكل نساء فلسطين اللواتي مهدن الطريق أمامنا، وأزلن الشوك من حياتنا وما زلن.