سامي أبو سالم - النجاح الإخباري - ABC- KKK
أذكر أنه كان يوم سبت، في خريف 2000، عندما أخذتنا الحمية (صحفيين فلسطينيين) لنشارك في مظاهرة في قلب مدينة نيويورك رفضا للاعتداءات الاسرائيلية على أهلنا بداية ما يُعرف بإنتفاضة الأقصى.
توجهت إلى المظاهرة في جادة ليست بعيدة عن "تايم سكوير"، في الطريق إلى هناك كانت مجموعات من المتضامنين في طريقهم إلى المكان المظاهرة... في الطريق تصطف محلات "أفخم" الماركات العالمية من عطور وملابس وأجهزة إلكترونية تناثر حولها بعض المشردين في السويعات التي يقتنصوها بعيدا عن الشرطة التي تأتي بناءً على نداءات أصحاب المحال.
أحد المشردين داكن البشرة "ملّون"، بشعر مجعد غزاه الشيب، جزء من اسنانه مصفر والباقي غادر بلا رجعة، ;كان يرتدي معطفا صوفيا طويلا وحذاءً بنصف رباط في الفردتين، استوقفني وأخبرني بحزن أن رفيقه في التشرد مات بسبب البرد، ثم بدأ كيل الشتائم على "جولياني" [رئيس بلدية نيويورك آنذاك] بسبب البطالة واهمال من لا مأوى لهم، طلب مني التضامن معه بـ"رُبع" (يتسول ربع دولار)، أعطيته وطلبت منه التضامن معنا ضد قتل أطفالنا، قال أنا معكم، تركته وواصلت المسير.
احتلت المظاهرة شريطا بشكل طولي. رُفعت أعلام فلسطين وصور الشهيد محمد الدرة، الطفل الذي قتله جنود الاحتلال الإسرائيلي في حضن والده بغزة، وقطع من الورق المقوّى تحمل شعارات منددة بالاعتداءات الإسرائيلية، وبعض الصور الكاريكاتورية الداعمة لفلسطين والمنددة بالاحتلال، وكذلك بعض الشعارات الداعية لعدم دفع الضرائب ولوقف دعم دولة الاحتلال. كان المشاركون في المظاهرة من مختلف الجنسيات والأديان والألوان يتكلمون بألسن مختلفة وصلوا من ولايات مختلفة. فتيات وشبان اتشحوا بكوفيات سمراء وأعلام فلسطينية.
متظاهرون رسموا على وجوههم العلم الفلسطيني، أطفال على الأكتاف مع ذويهم، ومكبر صوت يصدح بخطابات لم ألتفت لها. على طول المظاهرة تكتلات كل يهتف بلغته، انجليزية وفرنسية وأسبانية وعربية. هكذا كانت البداية.
كنت أجوب بين المتظاهرين ذهابا وإيابا أتفحص الشعارات والوجوه والصور رجال الشرطة NYPD وضعوا حواجزا خشبية لا يتخطاها أحد، فاحترام القانون وأوامر الشرطة لا نقاش فيها. أوامرهم صارمة، وكذلك سلوكهم، ممنوع منعا باتا رفع أي راية باستخدام العِصي، فالأعلام وغيرها تُرفع حملا بالأيدي فقط. لفت انتباهي مجموعة من الشبان يشبكون أيديهم ويهتفون بصوت قوي بايقاع واحد هادر، ماذا يقولون؟
اقتربت منهم فكان هتافهم: If Muslims were united, will never be defeated (إذا اتحد المسلمون فلن يُهزموا أبدا) تساءلت لماذا يهتفون بلون ديني واحد مع أن المظاهرة فيها يهود ومسيحيين ولادينيين وبوذيين وغير ذلك؟
تمحصت شاشات التلفاز المعروضة في المحال التجارية وتعرض أخبارا على مدار الساعة، لم أر المظاهرة. وقفت بجانب رجال الشرطة ببزاتهم كحلية اللون وسيارتهم البيضاء التي تحمل مع شعار (NYPD) التي نراها في أفلام هوليود، استمر هتافهم وهم يضربون الأرض بأقدامهم، أحد رجال الشرطة كان يهز رأسه مع كل ضربة قدم، وزميله يمثّل بيديه وكأنه يعزف على الغيتار مع إيقاع الهتاف، ويبتسم.
نادى المنادى عبر مكبر الصوت أن تتوقف الهتافات، ساد صمت غير مطبق، توقعنا أن هنك خطاب لأحد مهم، لكن الهتافات توقفت لرفع آذان المغرب. انتهى الآذان وفرش متظاهرون الأرض للصلاة، غير المسلمين أو غير المصلين انتظروهم، هذا معه وضوء وهذا لا، وقعت جلبة، اعترض البعض بصوت منخفض: أجلوا الصلاة، وقت المظاهرة اقترب على الإنتهاء. جاءني شخص بجلابية (زي أفغاني) ولحية
وقال: Muslim brother? Muslim?- Yes Where from -
أنا من فلسطين
- أهلا أخي
تعال صلي
- معيش وضوء
- تيمّم
- بينفعش أتيمم وفي مي
- وين المي؟
- في المطاعم والمحلات دابّة الشارع - مش مشكلة، لأنو صعب تخش المطعم
- يا أخي بينفعش - ليش؟
- لأنو إذا حضر الماء بطل التيمم
- لالا بينفع
- يا عم بينفعش (بجدية)
- طعج وجهه
وقال:انت جاي تعلمني الدين؟
طعج وجهه
- آه أنا جاي أعلمك الدين (بنرفزة).
تركني وغادر.
انتهت الصلاة، وتفركشت المظاهرة، فالشرطة طلبت من المتظاهرين ذلك لأن توقيتها (لا اعلمه) قد انتهى. لففت ظهري رأيت شعارا بالانجليزية ABC- KKK، لم أفهمه، لكن ما أعرفه أن "KKK" (الكوكلوكس كلان) هم مجموعات إرهابية عنصرية ظهرت في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر...
اقتربت أكثر فتبين أن ABC يقصد بها Arafat, Barak, Clinton ، قررت المغادرة. لففت ظهري قابلني شاب أمريكي من أصول عربية تعرفت عليه خلال الرحلة، متحمس جدا لدعم فلسطين، يمتلك سيارة زرقاء اللون خط عليها شعارات تدعو لرفض دفع الضرائب.
كان يشارك في أي نشاط لصالح فلسطين ويصرخ في المظاهرات "لا تدفعوا الضرائب، إنها تذهب لإسرائيل لقتل الفلسطينيين. تحدث عن عمله وكم يُخصم من راتبه كضرائب ثم "تناولنا العشاء، دفع الفاتورة "including" الضريبة.