عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - وصل فجر الجمعة الماضي لدولة الاستعمار الإسرائيلية جيسون غرينبلات للاطلاع عن كثب على التطورات الإسرائيلية بعد انتخابات الكنيست الـ22، التي جرت في الـ17 من أيلول/ سبتمبر الحالي (2019) بعد فشل اليمين المتطرف بزعامة نتنياهو من الحصول على تفويض الشارع الإسرائيلي، وتفوق تكتل "أزرق ابيض" بزعامة بيني غانتس عليه بمقعدين.
ورغم إعلان مستشار الرئيس ترامب لتمرير صفقة القرن المشؤومة عن رغبته في لقاء نتنياهو وغانتس، إلا انه بعد لقاء رئيس الحكومة المنتهية ولايته ذات يوم الجمعة، ألغى لقاءه مع زعيم "كاحول لافان" الأوفر حظا في التكليف بتشكيل الحكومة القادمة، في حال دعمه 61 نائبا في الكنيست الجديد، أو قام الرئيس رفلين بتكليفه ارتباطا بتقديره للمعادلة الداخلية، وحتى لو لم يحصل على دعم الـ61 نائبا. مع أن الجنرال بيني رحب بلقاء المسؤول الأميركي.
من الواضح أن تغيير أجندة غرينبلات جاءت بعد لقاء زعيم الليكود الفاسد، الذي على ما يبدو دس السم في عسل المسؤول الأميركي، في رهان منه على فشل غانتس بتشكيل الحكومة القادمة، وإمكانية تكليفه هو لاحقا، معتقدا انه سينجو من تهم الفساد، التي سيتم توجيهها له في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. أضف إلى أن نتنياهو يخشى من لقاء المستشار الأميركي مع الزعيم الأوفر حظا بالتكليف لتشكيل الحكومة، الذي لا يتبنى حتى اللحظة ما يسمى صفقة القرن، وأعلن صراحة، انه مع خيار الدولتين، رغم وجود ضبابية كثيفة بشأن هذا الإعلان. لذا من المتوقع انه مارس الكذب والتدليس ضد منافسه الأبرز لرئاسة الحكومة لقطع الطريق بين الرجلين، وبالتالي بين الإدارة الأميركية وزعيم "ازرق ابيض".
مع ان الرئيس دونالد ترامب عقب بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، ان إدارته لا ترتبط بشخص بعينه، المقصود نتنياهو، بل علاقتها مع دولة إسرائيل. لكن مستشار الرئيس الأميركي، وبالاستماع لتقدير السفير الأميركي الصهيوني، فريدمان، ولما استخلصه من لقائه مع رئيس الائتلاف اليميني المتطرف أعاد النظر بموقفه تجاه اللقاء مع غانتس. وهذا قد يلقي بظلال سلبية على العلاقات الثنائية بين الإدارة وزعيم "كاحول لافان". وخشية من التداعيات غير الإيجابية، عاد غرينبلات إلى إبداء الاستعداد للقاء زعيم أزرق ابيض اليوم الاثنين، ما يؤكد حدوث عطل في مؤشر بوصلة الإدارة الأميركية ومستشار رئيسها المتواجد في إسرائيل.
مما لا شك فيه، أن نتائج الانتخابات الأخيرة تركت بصمات ونقاط سوداء عديدة، وأضافت تعقيدات وعراقيل جديدة أمام صفقة القرن الأميركية، الأمر الذي أربك الإدارة الأميركية ومشروعها التآمري على القضية الفلسطينية، ووضعها في حيص بيص من أمرها وخيارها، وبالتالي الشيء المؤكد حتى اللحظة الراهنة يتمثل في عدم طرح الشق السياسي من صفعة العصر، وهو ما أعلنه غرينبلات نفسه، بأن الوقت ليس مناسبا لطرح وثيقة الصفقة البائسة، والآيلة للاندثار والغروب. لكن من السابق لأوانه الاعتقاد، بأن الإدارة الأميركية ستتخلى عن خيارها وصفقتها.
والنتيجة التي يمكن ان يخلص لها أي مراقب لخط سير إدارة ترامب الأفنجليكانية المتصهينة، أنها بسبب غبائها، وافتقادها للحكمة السياسية، وضعت كل بيضها في سلة نتنياهو واليمين المتطرف الصهيوني، واندفعت بشكل أهوج في تبني خيارات الائتلاف الفاشي، ولم تفتح القوس أمام ذاتها لتوسيع قاعدة شراكتها مع القوى الصهيونية الأخرى، التي لا تقل يمينية عن نتنياهو، ولكن بأساليب أخرى أقل رعونة وتهورا، وقادت بشكل مباشر الحرب على المصالح والحقوق الفلسطينية، ما اوقعها في شر سياساتها الاعتباطية والساذجة.
في كل الأحوال زيارة غرينبلات الترقيعية لإسرائيل زادت من تعثر الإدارة في تمرير الصفقة المعادية للسلام، وعقدت العلاقة مع الكتل المؤثرة في إسرائيل، مع ان القوى الصهيونية مجتمعة ومنفردة لن تضحي، ولن تفرط بالعلاقة مع الولايات المتحدة، لانها علاقات إستراتيجية، وتصب في مصلحة إسرائيل الاستعمارية. وبالضرورة ستتم إزالة الغيوم، التي سببتها المواقف المتضاربة والمتناقضة للمستشار المستقيل من مهامه بعد تدخل مركز القرار الأميركي في التأكيد على ضرورة اللقاء مع الجنرال غانتس، وعدم الإصغاء لرؤية نتنياهو أو سفيرها فريدمان، الذي لا يرى ابعد من ارنبة انفه سياسيا.
لكن الرؤية الأميركية مازالت تعاني من قصر نظر شديد، وقد تحتاج لوقت حتى ينقشع ضباب اللحظة الراهنة مع تشكل الحكومة القادمة، أو الذهاب لجولة ثالثة من الانتخابات في حال فشل اي من التكتلين من تشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة، أو حكومة ضيقة. وقادم الأيام كفيل بتقديم الجواب على أسئلة زيارة غرينبلات وصفقة القرن المشؤومة.