حمادة فراعنة - النجاح الإخباري -
عملت الولايات المتحدة منذ نكبة عام 1948، على جعل الأونروا أداة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين وتعليمهم ورفع سويتهم بهدف دمجهم في البلدان التي تشردوا نحوها، لتكون وطنهم عن فلسطين، وتكون البلدات العربية التي لجأوا إليها مرغمين مشردين مطرودين بديلاً عن اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وصفد وبيسان وبئر السبع، وغيبت قرار حق عودة اللاجئين الفلسطينيين 194 وتجميده بالعمل على إصدار القرار 302، المتضمن تشكيل وتفويض وكالة الغوث الأونروا وتحديد ولايتها ومنحها الأولوية، ولتأدية هذا الدور " الإنساني جداً" ونجاحه تطوعت الولايات المتحدة وتبرعت لتكون الممول الأول لميزانية الوكالة، ومعها بلدان أوروبا الغربية التي سبق وأن صنعت وسلّحت وقوّت المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي على أرض فلسطين وعلى حساب شعبها الذي تمزق وبات نصفه تحت الاحتلال ، ونصفه الأخر مشرداً خارج فلسطين .
بعد سنوات مريرة من التشرد، ثار الشعب الفلسطيني على فقره وجوعه وإذلاله وتبديد هويته، وقرر مثل كل شعوب الأرض التي نالت حريتها وكرامتها والعيش على أرض وطنها الذي لا وطن لها غيره، قرر النضال والثورة وتقديم التضحيات، واستعمل كل وسائل النضال المشروعة وغير المشروعة، الديمقراطية منها وغير الملائمة، حتى نضجت ثورته وحركته السياسية، وبات للشعب الفلسطيني خياران لا ثالث لهما الأول الصمود على أرض الوطن في منطقتي الاحتلال الأولى عام 1948، والاحتلال الثانية عام 1967، والثاني العمل على استعادة حقوق المشردين المطرودين بالعودة إلى الوطن، إلى المدن والقرى التي طردوا منها، واستعادة ممتلكاتهم فيها وعليها، في اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع، ولكن المسيرة والنضال والتضحيات كانت أصعب من المتوقع وأبعد من المسافة المتاحة ما بين الحدود وقلب الوطن، وهو بعد خمسين عاماً مازال رافعاً راية الثورة والعودة والاستقلال.
الولايات المتحدة عملت على جعل وكالة الغوث عنواناً للتكيف ورفع سوية الفلسطينيين وتعليمهم ليكونوا عنواناً للقدرة والمهنية والتعلم ليتم استيعابهم لسوق العمل في بلدان الخليج العربي بعد عام 1948، ولكنها وجدت أن بقاء وكالة الغوث بعد سبعين سنة، ساعد على بقاء رمزية اللجوء والهوية الفلسطينية ويكون المرادف لحق العودة، فتعمل الأن على شطب عنوان اللجوء بهدف شطب عنوان حق العودة، وهي بالحالتين حينما دعمت ولادة الأونروا ، وحينما تسعى لقتلها ، تعمل في الحالتين على خدمة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، ومثلما فشلت في مسعاها الأول لتكييف الفلسطينيين ونسيانهم لوطنهم ودمجهم في سوق العمل لعشرات السنين، سوف تفشل مرة أخرى في شطب حق عودة اللاجئين والنازحين إلى فلسطين، كل فلسطين، إلى مناطق 48، كما لمناطق 67، واستعادة ممتلكاتهم وحقوقهم على أرض وطنهم .
المعارك سجال، والنضال كذلك، والمأساة لا تكمن في تفوق العدو الإسرائيلي، المأساة تكمن في الانقسام والشرذمة والتمزق الفلسطيني الذي يخدم العدو الإسرائيلي مجاناً، وتشبث طرفي الانقسام بالوظيفة والاستئثار بالسلطة، وطرفي الانقسام يتبجحان بما لديهما من شرعية رغم إدراكهما أن شرعيتيهما وأنبوب حياتهما يأخذانه من عدوهما الواحد المشترك، ومن عدوهما فقط وبكل مرارة.