عبير بشير - النجاح الإخباري - ألقت حكومة ناريندرا مودي الهندوسية القومية المتطرفة، شرارة في برميل بارود كشمير بعد شهرين من ولاية رئيس وزراء الهند الثانية، مع قرارها مؤخراً بإلغاء المادة 370 من الدستور الهندي، والذي يمنح إقليم – جامو كشمير ذات الأغلبية المسلمة، صفة الحكم الذاتي منذ استقلال الهند، وضمها إلى المركز الهندي.
ففي عام1947، تم الاتفاق على أن جامو وكشمير، ستتمتع بالحكم الذاتي، فيما يتعلق بإداراتها المحلية وقوانينها وتشريعاتها، على أن تحتفظ نيودلهي، بكل ما يتعلق بالدفاع والشؤون الخارجية للولاية، وهذا تم تكريسه في المادة 370 من الدستور الهندي، تحت قسم "الأحكام المؤقتة". وكانت أهم بنودها: حكم داخلي مستقل، ومنع المواطنين الهنود من خارج الولاية من الإقامة، وشراء الأراضي، والتملك أو العمل أو تولي أي مناصب في الحكومة المحلية. كما حظر على النساء امتلاك الأراضي والعقارات خشية انتقالها بالزواج إلى أشخاص آخرين من خارج الولاية.
وجامو كشمير ليست الولاية الوحيدة التي حظيت بوضع خاص في الدستور الهندي، بل هناك ولايات أخرى مثل: أوتاربارديش، وبنغال، وناجالاند.
ولطالما أيد حزب بهاراتيا جاناتا" القومي الهندوسي"، الذي يرأسه مودي، الذي عرفته صحيفة "ذو هيندو" بالهندوسي الجديد، إنهاء الحالة الخاصة بإقليم جامو وكشمير، وبنى حملته الانتخابية الأخيرة عليها، ووصف مودي الوضع الخاص لكشمير بأنه خطأ تاريخي أذكى المشاعر الانفصالية ومنع الاندماج الكامل لمنطقة الهيمالايا الخلابة، وأنه جذر المشكلة التي تعاني منها الهند والمنطقة.
وتعتبر الهند كشمير عمقاً أمنياً إستراتيجياً لها وتنظر إليها على أنها امتداد جغرافي وحاجز طبيعي، أمام باكستان والصين.
بينما ينبع من الأراضي الكشميرية ثلاثة أنهار رئيسية للزراعة في باكستان، ما يجعل احتلال الهند لها تهديدا مباشرا للأمن المائي الباكستاني.
وشكل التفويض الشعبي الواسع الذي تحصل عليه حزب مودي، الهندوسي المتطرف في انتخابات أيار الماضي ، وهو أمر لم يحصل عليه أي حزب هندي آخر منذ قرابة ثلاثة عقود، دفعة قوية، لمودي لتنفيذ مخططاته، ووضع كشمير ذات الأغلبية المسلمة، تحت سيطرة نيودلهي.
وعشية القرار، قامت الهند بالدفع بآلاف القوات الهندية إلى ولاية كشمير، وقطع كل شبكات الهواتف الأرضية والإنترنت عنها، وعزلها عن العالم. ووضعت الهند القادة السياسيين الكشميريين قيد الإقامة الجبرية ومنعت انعقاد لقاءات وتجمعات عامة.
ودافع وزير الداخلية الهندي، أميت شاه عن هذه الخطوة، بالقول بأن إلغاء المادة 370، أعاد الحياة الطبيعية إلى كشمير، وتهدف إلى معالجة التخلف القانوني في منطقة تعيش في الماضي، والدفاع عن حقوق المرأة التي يمنعها القانون الكشميري من التملك، والدفاع عن حقوق كل أولئك الذين أقاموا على أرض الإقليم لعقود عديدة دون أن يكون لهم الحق في العمل أو التملك فيه، وإطلاق قطار التنمية والاستثمارات في إقليم جامو – كشمير.
وبحسب حكومة نيودلهي، فإن إعطاء الكشميريين الحق بالتشريع لأنفسهم جعل قوانينهم بالية وغير موافقة للعصر ولما هو معمول به في الولايات الأخرى في الهند، حيث يرفض الكشميريون تبني إصلاحات اجتماعية هندية تقدمية، مثل قوانين مكافحة العنف المنزلي، وحجز المقاعد في المجالس المحلية للنساء.
بينما يعتقد معظم الكشميريين، بأن السبب الحقيقي للتغييرات هو تمهيد الطريق أمام التحول الديموغرافي، وعملية تطهير عرقية ودينية للمسلمين وفتح البوابات أمام الغرباء – الهندوس- للامتلاك والتوطين.
أكثر ما يثير خوف الكشميريين من هذا القرار هو سعي المركز الهندي إلى تغيير هوية الإقليم، من خلال دعوتهم كوادر وشباب حزب الشعب الهندي إلى الزواج من فتيات الإقليم "الجميلات"، والسعي إلى تغيير التركيبة الديمغرافية، من خلال السماح للشركات الكبرى ومؤسسات الدولة بتملك أراضي الإقليم وإقامة مشاريع كبرى عليها تستقدم ملايين الهنود من الهندوس، ليصبح أبناء الإقليم من المسلمين أقلية في وطنهم، وهو ما يتوافق مع عقيدة الهندوتفا التي يعتنقها زعماء الحزب الحاكم، والتي تسعى إلى تقويض الوجود الإسلامي في الهند كما يقول المعلق محمد بلعاوي.
وكتب الخبير الهندي في مركز ويلسون للتفكير، مايكل كوجلمان إن المسلمين هم الخاسر الأكبر في كل هذا، إذ وصف إلغاء المادة 370 بكونها "مظهراً كبيراً للقومية الهندوسية، لأنها تمثل محاولة لجلب المنطقة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند إلى اتحاد الهند بحيث يمكن للأغلبية الهندوسية في البلاد الاستثمار، والحصول على الأراضي هناك، وما إلى ذلك.
ورأت رئيسة حكومة جامو وكشمير السابقة محبوبة مفتي، بأن تصرف حزب "بهاراتيا جاناتا "يمثل أحلك يوم في الديمقراطية الهندية ودلالة على طغيان المفاهيم القومية.
وسيفتح القرار الهندي الأحادي بشأن كشمير، الباب أمام عودة التطرف الديني، وتحول المنطقة إلى جهة استقطاب للمتشددين الدينين وللإرهابيين، خصوصاً أن الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية على وشك الوصول إلى اتفاق سلام، ومن ضمن أهم بنوده إغلاق الأراضي الأفغانية أمام المتطرفين الأجانب.
علاوة على اتساع الفجوة بين الهند وباكستان جراء ذلك، فقد هددت إسلام أباد بتعليق التجارة مع الهند، وحذر رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان من احتمال اندلاع حرب جديدة بين بلاده والهند،
وتابع "هناك أيديولوجية مرعبة أمامنا اليوم، أيديولوجية جمعية راشتريا سوايامسيفاك سانج القومية الهندوسية، التي كان مودي عضواً فيها منذ الطفولة، وأضاف "في هذه الأيديولوجية -مثل النازيين- يُضمّن التطهير العرقي للمسلمين من الهند.
لكن عمران خان كان دقيقا حين أكد أنه لو دخل البلدان الحرب مرة أخرى "فلن يفوز أحد بها" من الطرفين النوويين.