نابلس - العقيد لؤي ارزيقات - النجاح الإخباري - لم يكن يعلم معاذ بان خروجه من منزله في ذاك اليوم سيكون هو الخروج الاخير وسيكون بلا عودة ...وفراقه لاشقائه وخاصة اصغرهم سيكون هو الفراق الاخير ...كما لم يعلم بان وعده الذي قطعه على نفسه لهم بانه سيعود سالما لن يتحقق ...
معاذ طفل جميل محبوب احبه والداه واخوانه واشقائه وجيرانه والجميع لان روحه مرحه وضحكته لا تغادر وجنتيه ولا يغضب احدا ..
معاذ لم يعلم بان الموت ينتظره اسفل منزله وقدره سياتيه بعد لحظات من مغادرته . ولم يعلم بان رصاصة غادرة ستفاجئه وتمزق صدره وتستقر في قلبه لتنزع روحه من جسده ليغادر الدنيا مفارقا احبائه لجوار ربه الذي سيقبله طيرا من طيور الجنة . كيف لا وهو قُتل بلا ذنب . فهو لم يحمل سلاحا ولم يحمل سكينا ولاحجرا ...فهو لا يعلم فيما يتقاتل هؤلاء ولا يعرف فيما تتشاجر هذه الجموع المستهترة بارواحهم وارواح الاخرين ..معاذ توقع كل شيء الا ان يكون هو ضحية هذا الشجار فهو ذهب لشراء لعبة له ولاخيه الاصغر الذي شاركه في جمع ثمنها من مصروفهما اليومي على مدار اسابيع ولم يظن للحظة بانها الشيء الاخير و اللعبة الاخيرة التي سيقوم بشراءها دون ان يلعب بها...لعبة لطالما حلم بامتلاكها وباللهو بها مع شقيقه الذي احبه كثيرا وعندما تحقق الحلم يُقتل برصاصة غادرة وحقدٍ وتشاجر بين اشخاص لسبب اقل مايقال عنه بانه تافه.. شاب ينظر لشاب اخر فتتشاجر العوائل فيرمي كل طرف الاخر بالحجارة والزجاجات واطلاق النار كيف لا والجهل سيطر على العقول وغاب اهل العقل والتفكير والتروي ومات من يزن الامور بميزان الحوار ورجاحة العقل وظهر من يزنها بميزان العنف والتعصب والقتل والحرق .
تفاجئ معاذ بعد خروجه من محل الالعاب بكثافة الحجارة والعصي والزجاجات الفارغه والحارقة تطلق في كل مكان في حارته وحيّه وشارعه ووحرق منازل جيرانه التي احبها واحب من فيها من اطفال طالما لعب معهم ايام وساعات طوال .. لايعلم ماالذي حصل ..
ينظر للعبتة التي اشتراها فرحا كأنه ملك الدنيا كلها ويسير وهو يحتضنها ينطر اليها مرة واخرى الشرفة منزله الذي يقف عليها شقيقه الذي ينتظر لحظة وصوله ليفرحا معا . . لكنه ومن هول ما شاهد معاذ في شجار المتشاجرين جعله يرتجف خوفا ، لا على نفسه ، وانما على لعبته وخوفه على ضياع فرحة شقيقه الصغير ..
معاذ يصرخ بعفوية طفولته على هذه الجموع توقفوا توقفو ا... لماذا كل هذا وعلى ماذا تتشاجرون.. انا سأعتذر للجميع مهما كان الامر صعبا... صرخة طفل برئ لم يسمعها احد منهم.. صرخة سعت لوقف هذه المهزلة ولحقن الدماء وليصل معاذ وكل الاطفال لمنازلهم وليسلم ما اشتره له و لشقيقه ..يشاهد رجل يرمي حجرا وشاب يرمي زجاجة وطائش يحرق منزلا وفتان يكسر مركبة واخريشعل نار الفتنه والقتل .. صوت العقل لا يصدح به الا طفل يعتصر الما على جيرانه واهله وحيه واصدقائه لكنه يرتجف خوفا من المجهول الذي ينتظر هؤلاء الجاهلين المتشاجرين المتقاتلين بنظرة شاب لشاب لم تعجبه هذه النظرة ..معاذ لم يسمعه احد وهو يختبيء من الحجارة يمسك بيده لعبته الجميلة الجديدة وبالاخرى كسرة خبز يقتات عليها في مشواره القصير وعيناه تنظران لباب منزله وتفكيره منشغلا بكيفية الوصول اليه دون ان يصيبه مكروه.. يفكر للحظات فيشعر بان الشجار قد هدأ قليلا ليقرر العودة ويبدا بالركض وهو فرحا بالعودة وقرب الوصول للمنزل ولكن القدر اكبر من كل شي.. اكبر منه و من تفكيره وحلمه و استعجاله ...وقبل وصوله بامتار يخرج شخصا لايراعي طفولة ولاقرابة ولا صداقة ويبدأ باطلاق النار في كل مكان فيزداد خوف معاذ ويرتجف اكثر فاكثر ودقات قلبه النابض بحب اخيه تتسارع وتفكيره يتسع برسم خطة الوصول ولكن شيئا رهيب يحدث لم يكن بالحساب ..رصاصة طائشة تغشاه وتستقر في قلبه وتتناثر دمائه وتسيل على صدره ووجهه وتغرق لعبته بدمائه. ينظر اليها فتسيل دمعته باكيا عليها لان الدماء غرقتها دون ان يعلم بانه سيغادر الدنيا بعد لحظات تاركا لعبته ، وتاركا هؤلاء الاشخاص يتشاجرون ويتقاتلون في معركة اللا شيء الكبيرة التي راح ضحيتها طفل كان حلمه بان يلعب ويفرح بلعبته الجديدة ..طفل اطلق صرخته ليتوقفوا ويتراجعوا ويستخدمون عقولهم لحل مشاكلهم وليرحموا الاهل والجيران لكن الحقد اعماهم والعنف اغراهم وعدم التقدير تغلب عليهم .
معاذ غادر الدنيا تاركا الجهل والعصبية والفتنة ونار حقد تشتعل في حيه وحارته .
معاذ ترك رسالته قبل ان يغادر بان الحب والوئام والسلام هو الطريق الاسلم لتعايش مع بعضهم البعض..لكن هل من مستجيب