أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - مرة أخرى أول من امس التقى ميلادينوف في غزة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، هذه المرة بالتأكيد ما طالب به رئيس الحركة هو نفس مطالب قبل اثني عشر عاماً هي عمر سيطرة الحركة على غزة، لم تتعب حماس وهي تحاول ولكن خلفها شعب أصيب بالإعياء بعد تلك المغامرة، مغامرة طرد السلطة من غزة.
مرة اخرى نعود لمشهد تكرر طويلاً في السنوات الأخيرة وسيتكرر بكثافة في الأسابيع المقبلة. سيأتي ميلادينوف ويغادر العمادي ثم يأتي الوفد المصري وتهدئة ووعود بانفراجات وصاروخ ينطلق ورد إسرائيلي وإحكام للحصار ووسطاء يعيدون الأمور إلى سابق عهدها لعدة أميال في البحر أصبحت أرقامها كما البورصة اليومية، وهكذا دواليك من قضية أشغلت الكون يوماً ما لتصل إلى هذا الحد من النقاش والمفاوضات.
القضية الوطنية تكاد تتلاشى وسط المؤامرة الكونية التي أطلت برأسها منذ سنوات طويلة. وبدل أن ينشغل أصحابها بترميم بيتهم الداخلي ظلوا خلال السنوات الماضية يتقاتلون ويتصارعون ويتبادلون الاتهامات ويشتمون ويغضبون ويبتسمون حين يلتقون في العواصم ثم يعودون للاتهام. وهكذا تكرر المشهد لدرجة الملل ثم توقف، وكفى الله الطرفين شر مصالحة كادت لو تمت ستحرم كلا منهم من الاستفراد بمملكته وتفرض عليه شريكاً، وكادت لو تمت ربما ستشكل حماية للمشروع الوطني، ولكن هذا غاب تحت صراع السلطة.
أول من أمس كانت ذكرى اليوم الأسود والذي أنهت فيه قوات حركة حماس سيطرتها على غزة بعد معارك دامية بين الأشقاء في مشهد سيخلد ندوباً غائرة في التاريخ الفلسطيني، الآن بعد كل هذا الوقت الطويل بدأنا نسلم أن لا مصالحة للأبد، وأن ما كان لن يعود للأبد، وأن الانقسام وجد ليبقى للأبد بل ليبنى عليه مشروع نهاية القضية الوطنية والذي يتبلور حالياً وورشة البحرين واحدة من مشاهده.
لم تكلفنا معارك الانقسام الدامية والمخزية أرواحاً ودماء بل كانت أكثر، لقد كلفتنا هيبتنا واحترامنا الذي كان يوما ما، لقد ظهرنا أمام أصدقائنا كشعب ألقيت أمامه عظمة السلطة، فإذا به ينسى أنه تحت الاحتلال وينسى أن أمامه مشروع تحرر وإقامة دولة ولا يفكر سوى بتمكين سلطته. والمؤسف أن هذا هو الأمر السائد حاليا إذا ما دققنا في زيارة ميلادينوف سنكتشف أولوية حماس وكذلك أولوية السلطة في الضفة وأولوية كل القوى والأحزاب الفلسطينية، ولم تعد الأولوية والجامعة والمشروع الوطني.
لم يعد هناك من يحترمنا، وبات من الواضح أنه في السنوات الأخيرة لم يعد يتعاطى معنا أحد بجدية سواء في العالم او حتى بين العرب. وسلوكهم في السنوات الأخيرة يعكس مرارة مكانتنا، أما إسرائيل التي تتلاعب بنا بشكل يثير الحزن فقصة أميال البحر وحدها تروي الحكاية وتجاهل السلطة هناك يعكس ما يشبه ذلك.
لم نعد نحن الذين كنا يوماً ما حين كان يخشانا العالم لضمان هدوء عواصمه والخليج يدفع لأبو إياد خوفاً، والجماهير العربية من المحيط إلى الخليج تحتضننا، فكلهم باتوا شهوداً على تآمرنا على انفسنا وعلى صراعاتنا بيننا ومستوى الأداء الذي نقدمه وشكل المؤسسة التي أنشأها والتي تشبه مؤسسات الدول العربية في ستينات قرن مضى وأسوأ، بل نعيش بلا مؤسسة بعد ان اقتتلنا وخسرنا كل شيء.
نطالب الدول العربية بالالتفاف حول فلسطين فيسخرون منا ولسان حالهم يقول «التفوا حول أنفسكم أولاً». لقد شاهد الجميع مأساتنا التي جسدناها وكل منا يريد من الاحتلال الذي يتحكم بكل شيء أن يفرج بعض الشيء، فهو يحتجز أموال المقاصة وأيضا يتحكم بزيارات وحقائب العمادي وهذا كل شيء، وهو ما لا نراه في دوامة الصراع بيننا والنقاش الخائب الذي يدور منذ سنوات.
لو تمت مراجعة تصريحات كل المسؤولين على امتداد سنوات طويلة بصعوبة بالغة سنجد فرقاً بينها سواء السياسية أو المصالحة أو في ما يتعلق بغزة وحصارها وكل شيء كما هو بالنسبة لنا، ولكن الذي تغير شيئان: الأول أن إسرائيل تمددت على الأرض، والثانية أن الشعب أصيب بالإحباط ولم يعد له أمل بمستقبل أفضل في ظل الوضع القائم.
القضية تمر بأسوأ مراحلها، ولقد كان لخلافاتنا الدور الأكبر لأن تنحدر الى هذا المستوى من الانحدار يجب ألا نبرئ أنفسنا وأن نبدأ حساب الضمير الآن في ذكرى انقلاب حركة حماس وطرد السلطة وإعلان انتصارنا على أنفسنا وإعلان هزيمتنا جميعاً بلا رجعة..!