عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - في هذه الأيام ـ وقبلها أيضاً ـ تم ويتم تداول أفكار، وفحص إمكانيات تشكيل قائمة عربية يهودية واحدة لخوض الانتخابات القادمة في إسرائيل.
ما زال الموضوع قيد البحث والتمحيص، وما زال الحديث عن هذه القائمة في مرحلته الاستكشافية ـ إذا جاز التعبير ـ.
من الطبيعي أن مثل هذا البحث لم يكن ليصبح مطروحاً على جدول أعمال (التداول والتفكير) لولا أن هناك ما يكفي من الاعتقاد أن ثمة فوائد وفوائد كبيرة لمثل هذه القائمة.
وكذلك من الطبيعي أن عدم حسم الموضوع، وبلورة مشروع متكامل لمثل هكذا قائمة، إنما يعكس بعض أو الكثير من المخاوف من أن تتقلص تلك الفوائد إلى الحدود الدنيا في حال جاء هذا التشكيل لمثل هذه القائمة متسرعاً أو «مسلوقاً» على نار حماسية عالية.
والحقيقة أن ما يعيق أو ربما سيعيق ولادة قائمة من هذا القبيل ليس عامل الزمن فحسب، بل كذلك جملة من المعوقات الكامنة لدى طرفي معادلة القائمة.
وعندما نتحدث عن عامل الوقت فنحن في الواقع نتحدث عن الوقت اللازم لتشكيل قائمة للمرة الأولى منذ قيام الكنيست، ومنذ أن بدأت القوائم العربية بخوض المعارك الانتخابية فيه.
هذا إذا استثنينا وجود إيمان واستراتيجية ثابتة حيال هذه المسألة في فكر وممارسة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ومن قبلها الحزب الشيوعي الإسرائيلي.
والحديث هنا عن قائمة عربية تتكون من كل ألوان الطيف السياسي العربي في إسرائيل أو غالبيته الساحقة، ومن أحزاب يهودية «صهيونية» من ناحية نظرية فقط، كما هو الحال مع «ميرتس»، أو من ناحية واقعية كما هو الحال مع بعض الأجنحة في حزب «العمل». كما يدور الحديث هنا، أيضاً، عن شخصيات سياسية واجتماعية وثقافية مرموقة ولكنها قليلة التأثير في الواقع الإسرائيلي.
انها المرّة الأولى التي يتم فيها دراسة وبحث هكذا إمكانية وعلى هذا المستوى الكلي. وهي المرة الأولى التي وصل فيها التفكير إلى مثل هذه الإمكانية أو الاحتمال وذلك بالنظر إلى «خطورة» ما وصل إليه المجتمع الإسرائيلي من تحولات عميقة، لجهة صعود اليمين المتطرف بجناحيه القومي والديني، وسطوته على الواقع الإسرائيلي في منظومات فكرية وسياسية وثقافية وحتى اقتصادية واجتماعية متكاملة، نتج عنها حتى الآن الذهاب والإمعان في الذهاب إلى عنصرية سافرة وعدوانية غير مسبوقة، واستيطان مستشرس، وتحضير الكثير الكثير من الساحات والميادين للهجوم المنظم على الديمقراطية في إسرائيل، والتمهيد المنهجي المبرمج لاعتلاء الهرم السياسي على أرضية فاشية، وصولاً إلى الطرد الجماعي والتطهير العرقي الجديد، وذلك بهدف «حسم المعركة التاريخية» لصالح هذا اليمين وأيديولوجيته ومنظومات أفكاره السياسية والدينية وكل الأساطير المؤسِّسة والمؤسَّسة لها.
لولا كل هذا وأكثر، ولولا أن هذا اليمين المتطرف بات يستند إلى واقع جديد، وفرصة تاريخية نادرة تتمثل في صعود اليمين الأميركي، وبدء هذا اليمين القادم من مركبات النفط والسلاح هجومه ومغامراته على المستوى الكوني الشامل، وتركيز هذا الهجوم على الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، لولا هذا كله، أيضاً، لما خرجت أفكار تشكيل قائمة عربية يهودية مشتركة من حيز التداعي الثقافي والذهني إلى دائرة المعترك السياسي المباشر.
في ضوء ذلك كله تطرح الأسئلة التالية:
هل يتوفر الوقت الكافي لتشكيل هكذا قائمة بما تتطلبه من جهود وترتيبات وتحضيرات للرأي العام العربي في إسرائيل، بل وحتى بعض الأوساط اليهودية نفسها؟
ثم هل هناك إمكانية للذهاب إلى هكذا قائمة قبل أن يتم التوافق التام عليها من قبل كل مكونات الطيف السياسي العربي في إسرائيل؟
ثم قبل هذا وذاك هل يمكن التفكير الجاد بهذه القائمة قبل التثبت التام من إعادة الاعتبار للقائمة المشتركة، وقبل مأسستها وتحويلها إلى جسم سياسي راسخ؟
قيادة الجماهير العربية في إسرائيل هي التي تستطيع أن تجيب عن هذه الأسئلة، فهي الأكفأ والأنسب والأقدر، وهي وحدها من يستطيع تقدير كل أبعاد هذه المعادلة، وهي التي تعرف الموازين والأمزجة والعثرات والعقبات، وهي التي تحدد الاتجاهات والمسارات.
لكن المؤكد ـ على كل حال وفي مطلق الأحوال، أيضاً ـ أن القائمة العربية اليهودية المشتركة لا يمكن ولا يجب بأي حال من الأحوال أن تكون على حساب وحدة وتماسك ورسو ورسوخ القائمة المشتركة.
كذلك فمن المؤكد أن هكذا قائمة يجب أن يحملها الناس، ويجب أن يقتنعوا بأهميتها، وفوائدها ومردودها، كما أن القناعة بوجود هذه القائمة يجب وبالضرورة أن تحفز الجماهير العربية على زيادة نوعية وحقيقية في نسبة التصويت، وفي المشاركة الفاعلة في هذه الانتخابات.
المدخل المناسب للمناقشة والبحث والتمحيص يبدأ من عودة القائمة المشتركة إلى الواجهة، وبعد ذلك، وبعد ذلك فقط لكل حادث حديث.
على ما يبدو من الصعب للغاية استقطاب أحد من «يسار» حزب «العمل» لعمل مشترك مع الجماهير العربية، لكن حركة «ميرتس» ربما تكون قد أصبحت «مقبولة» لدى قطاعات واسعة من هذه الجماهير، كما أن شخصيات إسرائيلية ثقافية وفكرية وسياسية ديمقراطية هي أصلاً في عداد المقبول وربما المحبّذ.
الخبراء يقولون إن قائمة مشتركة عربية ـ يهودية في حال ان كانت نتاج قناعة جماهيرية، وكانت عاملاً داعماً لمأسسة ورسوخ القائمة المشتركة يمكن أن تكون الكتلة المانعة، وبما لا يقل عن عشرين عضو كنيست، وهو أمر يستدعي ويستوجب التمحيص.