سامر سلامة - النجاح الإخباري - يبدو أن الإدارة الأميركية بدأت تتخبط فيما يتعلق بملف الشرق الأوسط بعدما أعلنت المرة تلو الأخرى تأجيل الإعلان عن صفقة القرن المزعومة. وقد قلناها قبل الإعلان الأخير عن التأجيل بأن الصفقة لن تعلن لأنه لا يوجد صفقة من الأصل، وما الموضوع سوى تنفيذ مخطط قديم رأت هذه الإدارة بأن الوقت أصبح سانحاً لتنفيذه. فالسؤال المطروح هنا لماذا مؤتمر البحرين الآن؟ هذا المؤتمر الذي أطلق عليه «ورشة عمل السلام من أجل الازدهار» والهدف المعلن من ورائه تنفيذ الشق الاقتصادي من الخطة في محاولة لإغراء الجانب الفلسطيني من ناحية ولتشجيع العرب أولاً والمجتمع الدولي ثانياً للمشاركة تحت شعار مساعدة الفلسطينيين للعيش برفاهية ولدعم السلطة الفلسطينية التي تعاني من أزمة اقتصادية ومالية خانقة!
بالرغم من أن الأفكار التي يتم تداولها من قبل المسؤولين الأميركيين عما أسموه بصفقة القرن غير واضحة المعالم حتى الآن، الا أن المكتوب يُقرأ من عنوانه كما نقول بالعامية العربية. فاعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارتها اليها، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن العاصمة، ووقف تمويل الأونروا بهدف إنهاء قضية اللاجئين، والاعتراف بضم الجولان السوري المحتل لإسرائيل، وإطلاق يد إسرائيل في التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وبعدها ضم تلك الكتل لإسرائيل، وإسقاط مبدأ حل الدولتين، ما هو الا تطبيق واضح لتلك الأفكار والخطط القديمة. فلم يبق شيءٌ سوى إرغام الفلسطينيين على القبول بما تم تخطيطه لهم إما بالترغيب أو بالترهيب. وما مؤتمر البحرين سوى محاولة لترغيب الفلسطينيين بالقبول بحجة أن السلطة تمر بأزمة اقتصادية ولا تملك أي خيار سوى القبول بالمقترحات الأميركية التي ستنعش حياة الفلسطينيين وتمدهم بمقومات الحياة الكريمة!
ولكن السؤال الذي أود أن أطرحه على الإدارة الأميركية: هل ينجح الازدهار الاقتصادي في غياب السيادة السياسية للفلسطينيين على أرضهم؟ وما هي الضمانات التي ستقدم للفلسطينيين بأن الازدهار الاقتصادي المزعوم سيستمر؟ ومن الضامن؟ هذه الأسئلة لم تأت من فراغ بل جاءت من تجارب فاشلة عديدة مررنا بها خلال الأعوام الماضية، لأن مفتاح الازدهار سيبقى بيد إسرائيل وليس كنتيجة لأداء الاقتصاد الفلسطيني!. ففي أي وقت يمكن أن تعمل إسرائيل على وقف الازدهار المزعوم بكبسة زر واحدة! كما أن الإدارة الأميركية الضامنة لكافة الاتفاقيات الموقعة منذ أوسلو حتى الآن قد تنكرت لجميع تلك الاتفاقيات وألغتها بالكامل بفعل ما قامت به منذ الاعتراف بالقدس عاصة لاسرائيل وحتى الآن. فهل تعتقد الإدارة الأميركية أن الفلسطينيين سذج الى هذا الحد ليتفاعلوا مع أفكار غامضة ولا تحقق الحد الأدنى من تطلعاتهم السياسية؟
ومن جانب آخر، فإن ما يتم تخطيطه ستكون له انعكاسات دولية من الواضح أن العالم يُجمع على رفضها، لأنها تعطي للولايات المتحدة وابنتها المدللة إسرائيل السيطرة الكاملة دون منازع على المنطقة اقتصادياً وعسكرياً، لذلك أعلنت روسيا والصين والأمم المتحدة صراحة عدم المشاركة في مؤتمر البحرين، في حين أن أوروبا قد أعلنت أنها تدعم حل الدولتين، هذا الحل الذي أسقطته الولايات المتحدة، وهذا يعني أن الأوروبيين ليسوا متشجعين للانخراط في الخطة الأميركية لما لذلك من انعكاسات سلبية على الأمن والاقتصاد الأوروبيين.
ومن ناحية أخرى، فإن ما استوقفني في الأيام الماضية هو فشل نتنياهو بتشكيل حكومته اليمينية المتطرفة بالرغم من نجاح أحزاب اليمين في الانتخابات الأخيرة والاتفاق على الذهاب لانتخابات مبكرة جديدة في أيلول المقبل. أعتقد، ومن قراءتنا لتاريخ وممارسات الحكومات والأحزاب الإسرائيلية المختلفة، أن إسرائيل تذهب دائماً لانتخابات مبكرة عندما تستشعر أن خطراً قادماً أو ضغطاً سيأتي عليها من الولايات المتحدة. فهذا ما حدث عندما اقترب أولمرت من الوصول الى تفاهمات مع الرئيس أبو مازن حول الحل النهائي، حيث تم اتهام الأول بالفساد ومن ثم إقالته من رئاسة الحكومة والدعوة الى انتخابات مبكرة. وهذا ما حصل أيضا مع رابين عندما اقترب من التوصل الى اتفاق سلام مع الرئيس الراحل أبو عمار، حيث تم اغتياله والذهاب الى انتخابات مبكرة جاءت بنتنياهو الى الحكم. إن ما يحدث الآن في إسرائيل يبدو في نفس السياق، فالذهاب الى انتخابات مبكرة حتى قبل تشكيل الحكومة الجديدة وتأجيلها الى أيلول فيها رائحة الهروب الى الأمام من ضغوط معينة لا يريد نتنياهو الالتزام بها. فبعد أيلول تدخل الولايات المتحدة في الاستعداد للانتخابات الرئاسية التي سيخوضها ترامب بصعوبة هذه المرة أمام الديمقراطيين الذين هزموه في الانتخابات النصفية في العام الماضي، الأمر الذي سيؤجل تطبيق أي أفكار لا ترضي إسرائيل.
ويبقى الموقف العربي وهو الموقف الأكثر هلامية أو ميوعة، إذ نرى تناقضات واضحة في المواقف العربية، ففي حين نسمع الخطب الرنانة التي تؤيد وتدعم موقف القيادة الفلسطينية في القمم العربية والإسلامية من ناحية، فإننا نرى أن بعض الدول العربية تتساوق مع الخطط الأميركية بحجة وقف زحف وتوسع النفوذ الإيراني في المنطقة. وان ممارسات بعض الدول العربية على الأرض لا تبشر بالخير، فعدم التزام بعض الدول العربية بتسديد التزاماتها المالية للحكومة الفلسطينية ما هو الا وسيلة ضغط على القيادة، وان إعلان بعض الدول العربية عن نيتها المشاركة في مؤتمر البحرين ما هو إلا طعنة في الخلف، وان استضافة المؤتمر من قبل البحرين ما هو إلا تماهٍ في إرضاء الأميركيين. كل ذلك يضع العرب دائماً في المواقع الخلفية، إلا أن مواقف بعض الدول العربية الأخرى مثل الأردن والمغرب والجزائر ومصر ولبنان وغيرها الرافض قطعاً وبشكل معلن للتعاطي مع الخطط الأميركية يعطي للقيادة دفعة قوية بالاستمرار في تمسكها بالثوابت الوطنية الفلسطينية، الأمر الذي يحرج الأميركيين ويعطل تنفيذ مختطاتهم.
فأمام هذه التعقيدات الإقليمية والدولية، هل بقي أي مبرر أو قدرة للإدارة الأميركية على عقد مؤتمرها المشبوه في البحرين؟ أعتقد أن المؤتمر لن يكتب له أن يعقد، وإن عقد فسيكون مؤتمراً هزيلاً ولن يتولد عنه شيء لأن الوليد سيولد ميتاً.