رجب أبو سرية - النجاح الإخباري - لم يتوقع أكثر المتشائمين أو المعارضين لليمين الإسرائيلي أن يفشل في تشكيل الحكومة الخامسة لبنيامين نتنياهو بعد أن فاز اليمين في انتخابات الكنيست الواحد والعشرين، والتي جرت يوم التاسع من نيسان الماضي، بـ 65 مقعدا من أصل المائة والعشرين، ومقابل 55 للمعارضة، أي بفارق عشر مقاعد، في تكرار مشابه إلى حد بعيد لنتيجة انتخابات الكنيست العشرين السابقة .
صحيح أن بعض المراقبين أو المتابعين توقع أن يواجه نتنياهو صعوبة في تشكيل الحكومة، وذلك بعد أن اتضحت لعبة عض الأصابع أو شد الحبل بين "شركاء" الليكود في الحكومة المكلف رئيس الليكود بتشكيلها، لكن أن يصل الأمر إلى قطع الحبل تماما، فهذا أمر لم يتوقعه احد، ولا حتى نحن الذين توقعنا منذ وقت مبكر، أن يواجه نتنياهو مشاكل قد تصل إلى حد الذهاب إلى انتخابات جديدة بعد وقت من تشكل حكومة بستين نائبا أو حتى بأغلبية الخمس والستين، ولكن كانت هناك هذه "القد" أي كان ذلك مجرد احتمال توقعناه في أكثر من مقال هنا في "الأيام"، وكان عنوان احدها "اليمين الأسرائيلي لم يفز بعد" وذلك بعد نحو أسبوع من إعلان النتائج، وآخر بعنوان"فوز الليكود بطعم الخسارة" وذلك قبل أن يحتاج نتنياهو إلى أسبوعين إضافيين للأربعة أسابيع مدة التكليف بالتشكيل الوزاري.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يواجه فيها نتنياهو الذي يعتبر صاحب الخبرة الأطول في الحكم من كل رجالات السياسة الإسرائيلية المعاصرين، مهمة تشكيل حكومة لليمين، بل إن شركاءه في الحكم يكادون يكونون هم أنفسهم، الذين رافقوه طول عقد ونصف، بل وشاركوا الليكود الحكم طوال مدة أطول من ذلك بكثير، أي منذ وصل للحكم أول مرة بزعامة مناحيم بيغين عام 1977، وهو الذي قام بتحميل زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أول أمس مسؤولية فشله في تشكيل الحكومة اليمينية، كان واجه بعد إجراء انتخابات الكنيست العشرين التنافس بين شريكيه في الحكومة، أي ليبرمان زعيم "إسرائيل بيتنا" وزعيم حزب "البيت اليهودي" في ذلك الوقت، نفتالي بينيت، اللذين كانا كلهيما يطمحان بوزارة الدفاع.
التنافر بين ليبرمان هذه المرة لم يكن مع "البيت اليهودي" ولا حتى مع اتحاد أحزاب اليمين المتطرف/ العنصري، الذي كان نتنياهو عرّابه لقتل طموحات بينيت والذي أدى إلى عدم تجاوز بينيت وحزبه "اليمين الجديد" نسبة الحسم، ولكن كان مع الأحزاب الدينية وبالتحديد "يهودوت هتواره وشاس" ، وكان يمكن لنتنياهو أن يفعل هذه المرة ما كان قد فعله في المرة السابقة، أي أن يقدم على تشكيل حكومة بأغلبية ضيقة، ليجبر ليبرمان على الانضمام لاحقا، لكن فارق مقعد واحد خذل نتنياهو.
ظن الرجل أنه يمكنه أن يغري أحد نواب أزرق_أبيض، وهو تجمع انتخابي، وليس حزبا سياسيا أو عقائديا، بالانضمام له ليشكل تلك الحكومة الضيقة، لكنه لم ينجح، ثم بدأ يمارس ألاعبيه التي يتقنها جيدا، والتي تتمثل بإطلاق البالونات في كل الاتجاهات بما في ذلك حزب العمل في الساعات الأخيرة، لكنه بقي محتفظا بخط أساسي يتمثل في أمرين أولهما الشراكة مع الأحزاب الدينية، أي شاس ويهودوت هتوراه ولهما 16 مقعدا حازا عليها مناصفة، أي ثمانية مقاعد لكل منهما، وثانيهما عدم طرح خيار الشراكة مع ازرق_أبيض وتشكيل حكومة وحدة وطنية .
برأينا خياره الشراكة مع الأحزاب الدينية مبعثه الحفاظ على استمرار الليكود كزعيم لليمين، فهو يرى في ليبرمان ومن قبله في بينيت منافسين له، ولا يرى الأمر كذلك في الأحزاب الدينية التي لن تتفوق على ممثل اليمين السياسي ولا في أي يوم من الأيام في زعامة معسكر اليمين، أما خياره بعدم التوجه لحكومة الوحدة الوطنية فمبعثه هو الرغبة في قيادة إسرائيل على طريق سياسي لا إجماع عليه، وبالتحديد طريق صفقة ترامب، التي دون ريب أو شك، هي المتضرر الأول، أو أكثر المتضررين من فشل نتنياهو في تشكل الحكومة والاستمرار بحكومة "تسيير الأعمال" الحالية، وحيث أن طاقم البيت الأبيض كان قد أجل إعلان الصفقة إلى ما بعد إجراء انتخابات الكنيست الواحد والعشرين ثم إلى ما بعد عيد الفطر، أي إلى ما بعد تشكيل الحكومة، سيضطر إلى الإعلان عن تأجيل آخر يتجاوز أيلول القادم، موعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية القادمة.
مع ذلك، بل ربما أبعد من ذلك، فإن الأمر لا يبدو شكلياً أو عادياً، وكما كنا قد قلنا في مقال سابق، فإن السياسة الإسرائيلية بعد هذا الفشل قد سجلت سابقة لم تحدث من قبل ولا في أي دولة أخرى، فلم يحدث أبداً أن جرت انتخابات عامة، وفشل الفائز فيها بتشكيل الحكومة، هذا رغم أن نتنياهو كان هذه المرة قد اهتم كثيرا بمستقبل الشركاء في الانتخابات وليس بالليكود وحسب، كما فعل في الانتخابات التي سبقتها، حيث لعب دوراً حاسماً في تشكيل قائمة اتحاد أحزاب اليمين، رغم ما أثاره ذلك من ردود فعل معارضة وصلت إلى الأيباك وحتى جيسون غرينبلات، بسبب مشاركة حزب "عتسمونا يهوديت" المنحدر من معطف مائير كاهانا العنصري والذي يتبنى سياسة الترانسفير للعرب الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية.
ولعل هذا الفشل قد شجّع المعارضة على التحرك، بل وأفشل آخر محاولات نتنياهو لاستبدال "إسرائيل بيتنا" بحزب العمل المتداعي، في آخر لحظة حين عرض عليه أربع وزارات دفعة واحدة بما فيها الدفاع، ومن المحتمل أن يؤثر الفشل جدا على خيار الناخبين، الذين صوتوا لليمين قبل أقل من شهرين، حين يذهبون لصناديق الاقتراع بعد أقل من ستة أشهر على إجراء الانتخابات التي لم تنجح في تشكيل الحكومة، حيث من الواضح بأن فشل نتنياهو الأخير والنهائي، بل وطي صفحته السياسية، بانتظار أن ينجح الخصم بتشكيل الحكومة بعد أن فشل هو في تشكيلها، حين ذاك سيضطر ترامب إلى قضاء عام ربما يكون أخيراً له هو أيضاً في الحكم، وحيداً دون صديقه الذي وضع "كل بيضه السياسي" في سلته المهترئة، التي لا تقيم وزناً بل حتى ولا اهتماماً بالآخرين.