مان بوكر العالمية للرواية: لجوخة الحارثي "سيدات القمر"
تم النشر بتاريخ: 2019-05-26 12:09
عادل الأسطة
عادل الأسطة - النجاح الإخباري - فازت الكاتبة العمانية جوخة الحارثي بجائزة مان بوكر العالمية للرواية وذلك عن روايتها الصادرة في العام 2012 عن دار الآداب في بيروت، والمترجمة حديثا إلى الانجليزية.
تقع الرواية في 223 صفحة، وترصد الحياة في منطقة العوافي في سلطنة عمان، وتعود من خلال الذاكرة إلى نهاية القرن التاسع عشر، وتتجاوز ثمانينيات القرن العشرين، بل ومن خلال كلمة (ديلت/ Delete) ومراقبة أحمد لهاتف خطيبته لندن نخمن أن زمنها الروائي يمتد إلى ما بعد شيوع الفيس بوك.
ترصد الرواية التطورات التي عاشتها عمان منذ زمن شيوع تجارة العبيد وتجارة السلاح إلى زمن انهيار البورصة وتجارة النفط، وتتكئ أحيانا على أحداث تاريخية نعرف من خلالها أهم المفاصل التاريخية لسلطنة عمان.
راوي الرواية هو عبد الله ابن التاجر سليمان وهو حفيد التاجر هلال، وغالبا ما يروي وهو في الطائرة «أرى من نافذة الطائرة» وما شابه هذه العبارة (ص 14 و27 و43 و61 و90 و208)، إذ يسترجع بعض أحداث حياته وحياة أسرته، ويطلعنا على حياة جيله وجيل أبيه وجيل ابنه.
ونقرأ عن الحياة في سلطنة عمان وما طرأ عليها من تغيرات وتبدلات، ونعرف عن العادات والتقاليد والشرائح الاجتماعية والصلة بينها وما آلت إليه.
وتحفل الرواية بالأمثال الشعبية العمانية وبعض الحكايات والأغاني الفولكلورية، ولا تخلو من نماذج من الشعر العربي القديم لشعراء بارزين هم: المتنبي وامرؤ القيس وأبو العلاء المعري وابن الرومي والبحتري، ولا يحضر من الشعراء المعاصرين إلا الشاعر الفلسطيني محمود درويش وقصيدته «يطير الحمام يحط الحمام»، وثمة شخصية شاعر عماني مفترضة هي شخصية الشاعر البوهيمي أحمد الذي يعقد قرانه على الفتاة لندن ولا يتزوج منها لأنه يبدو (دون جوان) يقيم علاقة مع أكثر من معجبة، ما يدفع بلندن إلى خلعه.
والشاعر أحمد هذا لا يحفظ إلا ثلاث مفردات يظل يكررها باستمرار. إنه شخص متناقض يزعم أنه حداثي ولكنه مغرور متخلف، وتقدم له الرواية من خلال خطيبته لندن وصديقتها حنان صورة كاريكاتيرية «اسمعي يا لندن. أنت خطيبتي وحبيبتي .. لكن لا تحاصريني بالغيرة والأنانية والتملك والاستئثار ..الأنانية قبح، والغيرة تخلف، والتملك من مخلفات عصور الطبقية المقيتة» هذا هو قاموسه كله.
عدا الشعر والشعراء تأتي الرواية على كتب عربية تراثية أهمها بعض كتب الحب في التراث العربي، وليس هذا بالأمر الغريب إذا ما عرف المرء أن الروائية جوخة الحارثي درست الأدب العربي القديم في جامعة بريطانية، وأعتقد أن بعض الآراء التي ترد في الرواية على لسان بعض الشخصيات (نجية القمر وعزان) هي آراء الكاتبة نفسها..
لا يتم سرد أحداث الرواية سردا تقليديا، وبنية الزمن فيها لا تقوم على أساس الزمن الخطي الصاعد من الماضي إلى الحاضر فالمستقبل.
إن البنية الزمنية تقوم على أساس تكسر الزمن وتداخله، ما يصعب على القارئ متابعة سير الأحداث بسلاسة ويسر، ويزداد الأمر صعوبة في الأجزاء الأولى من الرواية حيث تتداخل الأصوات دون أن تلجأ الكاتبة إلى لعبة فنية تميز بين صوت وآخر، وهنا يتذكر المرء رواية غسان كنفاني «ما تبقى لكم»، ولا يستغرب المرء هنا بعض آراء القراء في الرواية، القراء الذين ذهب قسم منهم إلى أنهم لم يتموا القراءة.
كنت يومي الخميس والجمعة كتبت فقرتين (بوستين) على صفحتي في الفيسبوك adel al-osta أتيت فيهما على الرواية وثقافة الطعام فيها وعلى الجائزة، ولاحظت ردود أفعال القراء عليهما وشكوى بعضهم من الرواية وعدم إتمامها.
شخصيا حين قرأت الخبر في صفحة الأدب المقارن التي يشرف عليها الأستاذ الدكتور السوري Abdo Abboud عقبت بالآتي: «الغريب أنني اشتريت الرواية ولم أقرأها» ثم لما عدت إلى نسختي وجدت أنني قرأتها ودونت عليها ملاحظات أهمها الملاحظة الآتية «البدايات الخاطئة تؤدي إلى نهايات كارثية» (ص 221) واكتشفت أنني كنت قرأت الرواية ولم أكتب عنها. والملاحظة التي دونتها تخص مآل علاقة خولة أخت كل من ميا وأسماء بنات عزان بزواجها من ابن عمها ناصر.
تتزوج خولة من ناصر بعد أن رفضت عرسانا كثرا لأجله هو الذي سافر مبتعثا إلى كندا ليتعلم هناك، ولكنه فشل في دراسته.
يعود ناصر ليتزوج من خولة طمعا في ثروتها ويظل على علاقة بفتاة كندية ويهمل خولة وفي النهاية يعود إلى عمان بعد أن تطرده الكندية، وهنا تطلب خولة منه الطلاق، فقد اكتشفت خداعه لها.
حكاية خولة وناصر ليست الحكاية الأطرف إطلاقا في الرواية. هناك قصص وحكايات أطرف منها بكثير، وقسم منها يستحق فعلا أن يتوقف أمامه، ومن أطرف الحكايات حكاية عزان والد الفتيات الثلاث ونجية القمر معشوقته التي رغبت فيه خليلا وصديقا مع أنه متزوج وله أسرة وأبناء.
نجية امرأة بدوية تعشق عزان وتريده وتترصد حركته ذات ليلة لتأخذه وتغتصبه ولكنه يهرب منها، ومع مرور الأيام تناله وتقوم بينهما علاقة حب وصداقة لا تقوم على التملك، فهي تريد علاقة حرة تظل فيها سيدة نفسها. (ص37 - 42 وصفحات أخرى).
اختارت جوخة الحارثي لروايتها عنوان «سيدات القمر» وكانت نجية هي سيدة من سيدات القمر. فـ «حين مات أبوها تنفست الصعداء وأحكمت سيطرتها على حياتها ومالها وحريتها، ولما تفتحت أنوثتها ووصل خبر عبيرها القاصي والداني لقبها الناس بالقمر، استهزأت بخطابها الكثيرين وتفرغت لأخيها وثروتها، قالت لنفسها إنها حين سترى رجلها ستعرفه وستأخذه، اصطفت الصديقات وتاجرت بمشغولاتها اليدوية المميزة، أصبح بيتها قبلة للضيوف والمحتاجين، وهابها الرجال والنساء»، وكما قلت فإنها تختار عزان المتزوج والأب لتقيم معه علاقة بعيداً عن أي ارتباط، وحين يعرض عليها مرة الارتباط تستاء.
وهناك شخصيات عديدة أخرى لافتة مثل شخصية ظريفة/ ظروف عبدة الشيخ وسريته وحبيبته، وهي التي تربي ابنه عبدالله بعد أن تركته أمه وغادرت لهجر زوجها لها، حين علم بعلاقتها مع رجل آخر.
ولا شك أن الرواية تطلع القارئ على المجتمع العماني، ويبقى السؤال عن مسوغ منحها الجائزة، فهل تستحقها وكيف منحت جائزة مان بوكر العالمية ولم تحظ بجائزة النسخة العربية لجائزة (بوكر) للرواية العربية؟
هل نقول إنها ذائقة لجان التحكيم أم نتذكر نجيب محفوظ وجائزة نوبل للآداب والطاهر بن جلون وجائزة جونكور الفرنسية ؟
يقال إن محفوظ حاز على جائزة نوبل بسبب تصويره للبيئة المصرية، لا لتجديده في الشكل الفني في الرواية العالمية في رواياته التي منح عليها الجائزة، ويقال إن سر فوز بن جلون يعود إلى تقديمه، في روايته «ليلة القدر»، الشرق كما يحب أن يراه الغرب.
أعتقد أن عالم عمان، كما قدم في الرواية التي حضر الانجليز فيها، هو من عوامل فوزها.