عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - دعونا نتصوّر أن إيران جلست إلى طاولة المفاوضات مع ترامب وفريقه، فما الذي يمكن أن يحدث، وما هي المطالب الأميركية من إيران، وكيف سترد إيران على هذه المطالب، وماذا ستطرح إيران من مطالب مقابل المطالبات الأميركية؟
الدعوة إلى التصور هنا ليس لأن جلوس إيران إلى طاولة التفاوض من الأمور الخيالية غير القابلة للتحقق، وإنما لأن التفاوض في النهاية هو المخرج الوحيد من "مأزق" المسألة الإيرانية برمتها إذا كان خيار الحرب مازال مستبعداً أو مؤجلاً إلى مرحلة لاحقة للمفاوضات القادمة على كل حال.
عندما يقول ويصرح مصدر أميركي إنه ينتظر إلى جانب الهاتف، وحتى لو أن هذا المصدر مازال مجهول الهوية، إلا أن أحداً في البيت الأبيض لم ينفِ الخبر حتى الآن ما يعني أن الباقي هو تأكيده فقط، والرئيس ترامب نفسه قال إنه ذاهب للتفاوض. لهذا فإن الأمور تسير نحو التفاوض على الأغلب، ونحو مطالب ومطالب مقابلة، وربما سنكون أمام "صفقة" جديدة من صفقات الرئيس ترامب. لنبدأ من اليمن.
انتقل الموقف الأميركي من الحرب الدائرة في اليمن من التحفظ الخجول على الحرب التي تشنّها قوات التحالف العربي والشرعية اليمنية ضد الحوثيين إلى التأييد العلني والمباشر لهذه الحرب في الشهور القليلة الماضية، وتحولت هذه الحرب في نظر الإدارة الأميركية إلى واحدة من قضايا "التدخل الإيراني" في شؤون المنطقة، وإلى قضية (دعم للإرهاب)، وإلى "زعزعة" استقرار منطقة الخليج، وحتى إلى تهديد خطوط الإمداد البحرية.
إن أقصى ما يمكن أن يطالب به البيت الأبيض هو أن "ترفع" إيران يدها عن دعم الحوثيين حتى يتسنّى الذهاب إلى حل سياسي تقبل به أو تحتكم إليه كل الأطراف المتنازعة.
في هذه الحالة توافق إيران على اقتراح كهذا، وخصوصاً أنها تنفي أصلاً وجود دعم مباشر للجماعات الحوثية، وستطالب بالمقابل بأن يتم وقف كامل لإطلاق النار، والتحضير لانتخابات، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، والعمل على إجراء مصالحات وطنية شاملة، يكون للحوثيين الدور البارز طالما أن الحرب لم تتمكن من حسم الصراع لمصلحة الشرعية والتحالف العربي.
فهل ستكون إيران قد خسرت كثيراً من مفاوضات كهذه؟، وهل ستحقق الولايات المتحدة لنفسها ولكل حلفائها نصراً مؤزّراً أو تملي على إيران والحوثيين "إذعاناً" من أي نوع كان؟
مقابل ذلك ستطالب إيران (في أغلب الظن) بالتوقف عن دعم "عرب الأحواز"، وعن دعم المعارضة الإيرانية بمن فيهم "مجاهدي خلق"، وبعض الجماعات الكردية الإيرانية النشطة ضد النظام.
في الحالة اليمنية سيتم "ترسيم" واقع الميليشيات الحوثية وإعادة إدماجهم في النظام السياسي المنشود ويصبح الدعم الحوثي لإيران في هذه الحالة حالة رسمية بدلاً من أن يبقى حالة ميلشيوية.
وتصبح جماعة الحوثي في هذه الحالة بدلاً أن تكون جماعة وظيفية ميدانية جماعة سياسية موالية لإيران من قلب ومن داخل النظام السياسي نفسه.
أما بالنسبة لدعم إيران للجماعات "الشيعية" في البحرين أو العربية السعودية أو غيرها، فإن إيران ستوافق على عدم التدخل والكف التام حتى عن التأييد السياسي والإعلامي إذا ما وافقت الولايات المتحدة على الإيعاز إلى حلفائها في الخليج العربي بضرورة إجراء "إصلاحات" سياسية ودستورية من شأنها المساهمة في خفض التوترات الطائفية والمذهبية وتعزيز وحدة وتماسك المجتمعات العربية في بلدان الخليج.
وهنا، أيضاً، لا تكون إيران قد خسرت كثيراً، وستبدو أمام "الشيعة" العرب وكأنها المدافع عن مصالحهم والراعية لهذه المصالح. وكل المطالبات الأميركية والعربية الخليجية هنا ليست من المطالبات "التعجيزية" لإيران وهي من النوع القابل للحل وللتوافق عليها.
ليس هنا مربط الفرس، وليست قضايا التفاوض مع إيران حول اليمن و"التدخل" الإيراني في شؤون بعض بلدان الخليج هي المعضلة.
الحل في سورية ولبنان (حزب الله وموقعه ودوره) هي أيضاً خاضعة لنفس المعايير والإمكانيات على الرغم من خصوصية الموقف الإسرائيلي، وحتى بالنسبة للعراق فإن الأمور قابلة للحل، ويمكن للمفاوضات أن تخرج بنتائج مقبولة على إيران في نهاية المطاف بما في ذلك الموقف من دعم حماس والجهاد. مربط الفرس هو البرنامج النووي الإيراني وبرامج إنتاج الصواريخ الإيرانية.
هنا تكمن الأزمة، وهنا تُنصب الكمائن، وهنا بالذات وبالضبط يمكن أن يكتسب التحليل أهميته. وهنا مهارة القدرة على التصور.
إذا بدأت المفاوضات على قضايا منفردة في اليمن أو سورية أو العراق تكون إيران قد حققت نتائج إيجابية لمصلحتها سلفاً. ذلك أن إيران ترفض من حيث المبدأ التفاوض على "دورها" الكلي أو الإقليمي، وهي تعتبر أن هذا التفاوض يشكل "خسارة" مسبقة لها.
والسبب في ذلك هو أن إيران لا ترى في المفاوضات على دورها في القضايا المنفردة أسباباً موجبة للتفاوض على برنامجها النووي أو برامج إنتاج الصواريخ لديها. في حين ترى أنه إذا تم التفاوض على الدور الكلي والإقليمي لإيران كسلة واحدة فإن هذا الربط يصبح موضوعياً وإجبارياً.
أقصد أن إيران تستطيع أن تقايض في مفاوضات القضايا المنفردة في إطار دواخل كل قضية على حدة، ولا تضطر إلى تقديم مقايضات مرتبطة بالموقع والدور الكلي لإيران.
إسرائيل معنية بأن يكون الحل في سورية ولبنان وغزة وحتى العراق على حساب النفوذ الإيراني، والولايات المتحدة معنية بكل ما تهدف إليه إسرائيل ولكنها معنية بممرات النفط ومعنية بالمنافذ البحرية ومعنية "بأمن" بلدان الخليج العربي.
فإذا بدأت المفاوضات فستبدأ من منطقة التوتر للعمل على خفض هذا التطور في الخليج. ما يعني أن الولايات المتحدة ستنجرّ إلى الساحة التي تريدها إيران، وستبدأ المفاوضات على هذه المنطقة المنفردة يتم الانتقال إلى قضايا منفردة أخرى إضافية.
لهذا كله إيران تبحث فقط عن "تخريجة" مناسبة للذهاب إلى المفاوضات، والولايات المتحدة هي أصلاً تريد هذه المفاوضات ظناً منها أن التهديد بالحرب سيكون كافياً لكي تقدم إيران "التنازلات" الضرورية لحملة ترامب الانتخابية القادمة.
عندما تكون الانتخابات في إسرائيل والولايات المتحدة هي منطلق السياسات والاستراتيجيات تستطيع دولة مثل إيران أن تتفاوض وهي تعرف حدود المكاسب وحدود الخسارات أيضاً.
دولة بدهاء إيران، وتقود مشروعاً قومياً فارسياً سخّرت له كل الأدوات والموارد والساحات لن تكون لقمة سائغة لأحد، لأنها صاحبة مشروع وقد غادرت مرحلة البدايات السياسية منذ زمن بعيد.