عبير بشير - النجاح الإخباري - "جولة الملاكمة بين إسرائيل وقطاع غزة، انتهت، ولكن خطر المواجهة زاد، والجولة المقبلة ليست الا مسألة وقت". هذا ما خلصت إليه التحليلات بعد يومين من التصعيد العسكري. وبدا وضحا أن صيغة "الهدوء مقابل الهدوء" لم تعد ممكنة، وأن حماس وحركة الجهاد الإسلامي، خاضتا مفاوضات مع إسرائيل تحت النار، لإجبارها على تنفيذ التفاهمات التي جرى التوصل إليها برعاية الوسيط المصري، عشية الانتخابات الإسرائيلية، في الوقت الذي بدا فيه قادة حماس واثقين أن تل أبيب، لن تذهب بعيدا في المواجهة العسكرية على أعتاب مسابقة اليورفيجن، واحتفالات "عيد الاستقلال"، والأهم معرفتهم بأن القيادة الإسرائيلية، في حالة تشابك سياسي، ولا تريد إسقاط حكمهم في قطاع غزة.
وتشير تقديرات المنظومة الامنية الاسرائيلية، التي عرضت على المستوى السياسي، إلى أنه بدون تعزيز الجهود السياسية لتحسين الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة فإن التهدئة التي تم التوصل إليها لن تصمد حتى في المدى القصير، وأنه في غضون أسابيع، سيتجدد القتال. وقد قاد هذا التوجه، رئيس أركان الجيش، أفيف كوخافي، ورئيس الشاباك، ناداف أرغمان، الى تقديم توصية إلى الكابينت الإسرائيلي بوقف التصعيد في قطاع غزة، والتوجه نحو وقف إطلاق النار، على أساس أنه في التوقيت الحالي فإن حركة حماس هي التي تملي شروط المواجهة، وأشاروا في توصيتهما إلى أن التوجه نحو معركة مع حماس يكون فقط بمبادرة إسرائيلية.
ويدور الحديث مرة أخرى عن العودة الى التفاهمات التي تمت بلورتها عشية الانتخابات الإسرائيلية، والقصد منها هو ضخ اموال الى القطاع بصورة ثابتة وتسهيل الحركة في المعابر على الحدود، والبدء بتنفيذ مشاريع لاصلاح البنى التحتية، وتوسيع القدرة على إنتاج الكهرباء في القطاع وتزويده من إسرائيل أو من مصر، علاج ملحّ للبنى التحتية للمياه والمجاري في القطاع، وفتح سوق العمل الإسرائيلية لبضعة آلاف من العمال من غزة الذين يتنقلون عبر حاجز ايرز. في المقابل، مطلوب من حركة حماس الهدوء المطلق على الحدود: لا صواريخ ولا عمليات للقناصة ولا بالونات حارقة.
غير أن عاموس يدلين، رئيس "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، اعتبر أن إسرائيل وضعت "غايات استراتيجية خاطئة" تجاه حركة حماس، التي تحكم القطاع، والفصائل الأخرى. وفسر ذلك بأنه "بدلا من أن تكون الغاية ترميم الردع الذي تآكل، ومنع تعاظم قوة حماس في الأمد المتوسط، وإضعافها واستبدالها في الأمد البعيد، فإن إسرائيل تدفع استراتيجية ’المال مقابل الهدوء’، الأمر الذي يقوي حركة حماس ويضمن أياماً قتالية أخرى قريباً، أو حرباً واسعة".
وظهر جلياً، تغير قواعد اللعبة بين إسرائيل وحركة حماس، وان هذه الجولة مختلفة عن سابقتيها في القوة والعنف، وذلك من خلال عمليات الاغتيال التي بادر اليها الجيش الإسرائيلي في غزة ضد نشطاء حماس والجهاد في المستوى المتوسط، بعد فترة توقف استمرت خمس سنوات.
وشكل اغتيال حامد الخضري الذي قالت عنه تل أبيب أنه مسؤول نقل الأموال لحماس والجهاد عبر إيران رسالة لقيادات الحركتين. كما رد الجيش الإسرائيلي بقوة أكثر إيلاماً، وهاجم اهدافاً مدنية، وأبراجاً سكنية مكتظة بالسكان.
وضمن التحليلات الإسرائيلية ليومي القتال، اللذين أطلق عليهما "حديقة مغلقة"، فإن سلاح الجو الإسرائيلي قد وقف على معطيات تشير إلى الجهود الضخمة التي بذلتها كل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي في محاولات تجاوز منظومة "القبة الحديدية"، من خلال إطلاق رشقات كثيفة من الصواريخ على نقطة واحدة، حتى يصعب على منظومة القبة الحديدية اعتراض جميع الصواريخ، حيث وصل عدد الصواريخ التي تم إطلاقها من غزة على مدينة أسدود، إلى 117 صاروخاً خلال ساعة واحدة، تميزت بمداها القصير وكبر رأسها المتفجر، وأدت إلى سقوط 4 قتلى في الجانب الإسرائيلي. وقد سجلت حركة حماس إنجازا في الجولة الأخيرة، في زيادة مدى صواريخها مقارنة بالجولات السابقة التي حاولت فيها تجنب ذلك حتى لا يتم تجاوز حافة الحرب.
وأشارت التحليلات أيضا، إلى أن الجيش الإسرائيلي فشل بشكل ذريع في تحديد إحداثيات المناطق التي أُطلقت منها الصواريخ، الأمر الذي منح حماس القدرة على زيادة متوسط إطلاق الصواريخ اليومي بالمقارنة مع حرب 2014، حيث أن المسؤول عن تحديد الإحداثيات هو قيادة المنطقة الجنوبية وليس سلاح الجو الإسرائيلي، الذي قال، بأنه ليس من مسؤولياته أن يلاحق كل منصة إطلاق، وإنما مسؤوليته هي إحباط إطلاق النار الدقيق والصواريخ الثقيلة، وضرب المقرات القيادية ووسائل قتال استراتيجية.
والأهم، وصول المراقب الإسرائيلي، إلى نتيجة مفادها بأن "الظل الإيراني" و"صفقة القرن " يضخمان مكانة حركة حماس كمنظمة تتصرف كدولة تتعلق بيديها مفاتيح خطوات سياسية كبيرة، وأن ما جرى في الأيام الماضية، هو اكبر من إطلاق نار متبادل مع إسرائيل. ومصر أصبحت تعترف بهذه المكانة المميزة، وهي تساهم في تطويرها، حيث إنها مثل إسرائيل هي ترى أمام ناظريها مصلحتها الأمنية قبل التسوية السياسية الشاملة، ومثل إسرائيل هي معنية بالعمل مع جسم واحد مسؤول عن قطاع غزة وليس مع عدة تنظيمات. ولكن تعزيز مكانة حماس السياسية والحفاظ على قوة تأثير مصر على سلوكها، يحتاج إلى اختراق حقيقي في مجال الاقتصاد وزيادة الموارد المالية لحركة حماس.