عبير البرغوثي - النجاح الإخباري - يتزايد عدد المؤتمرات والفعاليات التي ينظمها العديد من الجهات على مستوى المدن والتجمعات الفلسطينية وضمن مواضيع متنوعة، مؤتمرات متخصصة تنظمها جهة بعينها لفئة مستهدفة وذات صلة بعملها، أو مؤتمرات وفعاليات عامة سواء وطنية أم دولية، بالإضافة لتنامي دور الشركات المروجة والمنظمة للفعاليات (مقاولو ادارة الحدث)، فلا يكاد يمر يوم الا وهناك فعالية او ورشة أو نشاط في هذه المدينة او تلك، فمن منا لم يتلق دعوة للمشاركة في فعالية خلال الشهر الماضي أو الاسبوع الماضي على الأقل؟ لا بل إن البعض قد يتلقى اكثر من دعوة لأكثر من نشاط في نفس اليوم!
ردم الفجوة بين النظرية والتطبيق
تتنوع الأنشطة والمؤتمرات في الأراضي الفلسطينية، وتزداد وتيرتها من عام لآخر، وتشمل العديد من المجالات: السكانية، الاجتماعية، الاقتصادية، السياسة...، وأخرى للجندر، والطفل، ومشاركة المرأة في الحياة العامة، وأخرى للتعليم والصحة... وغيرها، وتخطر في بال المتابع تساؤلات عديدة حول هذه المؤتمرات وغيرها من الفعاليات: كم عدد المشاركين فيها؟ وكم متوسط الأيامأو الساعات التي استغرقتها تلك الفعاليات؟ وكم هي التكاليف؟ وهل كانتهناك ضرورة جدية لعقد هذا المؤتمر؟ أو بلغة أخرى هل الرسالة أو الغاية لم يكن من الممكن أن تتم الا بعقد المؤتمر أو الفعالية؟ وغير ذلك من التساؤلات.
لا يمكن الاستهانة بأهمية هذه الفعاليات، سواء في جوانب الاطلاع والمعرفة، أو تشارك الأفكار والخبرات، أو التأسيس للقادم من الأيام من خطط وبرامج وفق طبيعة ومخرجات تلك الفعاليات، فقد تكون النافذة الأسرع والأسهل أمام العديد ممن لا يتمكنون مغادرة حدود الوطن بحثاً عن قصة نجاح، أو فكرة أو معلومة تخدم اهتمامهم في تطوير مجال عملهم، اضافة لعوامل التكلفة وغيرها من العوامل التي تؤثر بشكل أو بآخر على البحث الفردي عن المعلومات والحلول والتجارب.
إضافة لذلك فقد ضم العديد من المؤتمرات والفعاليات نخباً وأدمغة مهمة ورائدة في مجال عملها، وشارك العديد من الأقلام والعقول في حوارات ونقاشات وتحليل مختلف القضايا التي تناولتها تلك الفعاليات على مدار الأعوام السابقة، ووضعت العديد من التوصيات والاقتراحات كنتائج يمكن العمل والبناء عليها للمستقبل، وربما شملت خططاًأو توصيات عملية وتنفيذية مباشرة ومحددة بتوقيتات ومواعيد زمنية، ومن بعضها توصيات ونتائج على شكل مطالبات أو تكليفات لجهات بحد ذاتها، وأخرى قد تكون ذات موعد زمني ينبغي اتمامها في موعد استحقاقها، بمعنى كان ينبغي انجازها قبل فترة، لانه ستترتب على انجازها استحقاقات اضافيةأو مشاريع أخرى .. الخ.
فالمشاركون والمتابعون يتفقون بأن العديد من المواضيع والتوصيات والنتائج التي يتم تناولها في تلك المؤتمرات رائعة وعظيمة للغاية، ولكنالاختبار الحقيقي يأتي بعد اسدال الستار على أعمال المؤتمر، اي الانتقال من الحوارات والنقاشات النظرية الى التطبيق العملي والحقيقي على أرض الواقع، فكلنا يعلم التحديات والصعوبات والمشاكل التي تعترض المعنيين في تنفيذها وتطبيقها على أرض الواقع، وهناك الكثير من النتائج أو التوصيات التي تكون أقرب للأحلام منها للاجراءات العملية التنفيذية، وبعضها قد يتطلب موارد مالية وغيرها من المتطلباتالتي قد لا تتوفر بتلك السهولة وفي التوقيت المناسب، وربما نشهد فجوة بين عملية بناء التوصيات وحجم ونوعية وجاهزية المتطلبات اللازمة للتنفيذ.
مرجعية للتوثيق والمتابعة
هذه المتوالية من الاعتبارات، تفتح المجال واسعاً للبحث والتساؤل عن نتائج تلك المؤتمرات، هل وثقت كما يجب؟ وهل يمكن العودة لها ضمن أرشيف منظم؟ وأين هي تلك الوثائق او النتائج او المعلومات التعريفية حول ما تم من مؤتمرات؟
وكذلك التساؤل عن كيف يتم تنظيم الفعاليات لتجنب التكرار سواء على مستوى الزمن، بمعنى اعادة تنظيم نفس الفعالية دون معرفة بانها نفذت قبل وقت ما، او تكرار نفس الفعالية من قبل منظمين أو جهات مختلفة لضعف التنسيق أو عدم المعرفة.
حاولت البحث عن جهة مرجعية يمكننا العودة اليها لمعرفة هذه المعلومات، وتوفير معلومات عن عدد الجهات المنظمة، وعدد وتصنيف تلك الأنشطة وعدد المشاركين أو المتحدثين فيها، وحصر المواضيع التي تناولتها تلك الفعاليات، وأمعنت البحث عن جهة تقوم بحصر وتوثيق نتائجهاوتصنيفها، وبحثت أيضا عن جهة ترصد ما تم انجازه أو ما لم يتم انجازه من نتائج على أرض الواقع، وبحثت عن جهة أخرى تقوم بالتقييم وربما المساءلة عن أثر ذلكالتنظيم على أرض الواقع.... وللحقيقة لم أنجح في الوصول لأي من تلك الجهات!!!
ويبقى السؤال الأهم ومحور هذا المقال: هل هناك من أثر لنتائج تلك الفعاليات على اختلاف مسمياتها وأهدافها على أرض الواقع؟ وهل يمكن القول بأن تلك الفعاليات قد حققت أهدافها ووصلت لغاياتها المنشودة؟ وهل تؤتي ثمارها؟ وهل تقوم الجهات بتطبيق ما يُتفق عليه فيها؟ أم أن التنظيم يكون بمثابة هدف وغاية بحد ذاته؟ وما أن تنتهي الاعمال حتى نبدأ بالتفكير في المؤتمر التالي؟
ولعل مواضيع الجندر والمساواة الاجتماعية والمشاركة السياسية كانت من المواضيع التي تناولها العديد من الفعاليات على مر السنوات السابقة، وكلها بلا شك حرصت وكانت تسعى لتعزيز الجوانب الإيجابية لدور ومساهمة المرأة في الحياة العامة وبناء مجتمعها، ولكن بعد كل تلك الفعاليات والمؤتمرات، هل النتائج المتحققة على أرض الواقع تدلل على تغير كبير في نسب ومعدلات مشاركة المرأة؟ هل تحسنت نسب تمثيل المرأة في دوائر صنع القرار؟ هل تحسنت نسب تمثيل المرأة في المقاعد النيابية؟ ام ان هناك اعتبارات اخرى اضعفت من الأثر؟ أم أن أثر تلك الفعاليات قليل وبطيء ويتطلب سنوات وسنوات حتى نلمس الفرق؟
أين يكمن الخلل ..؟!
هل يكمن في التنظيم؟ أم في التوقيت؟ أم أن المؤتمرات والفعاليات بحكم تركزها في مراكز المدن الرئيسية تكون مناسبة لفئة محددة من المشاركين؟ وتكاد تتكرر نفس الوجوه في كافة الفعاليات!في حين أن المطلوب هو الوصول الى الجمهور الصامت وربما البعيد عن مركز المدينة، للتعرف على همومه ووضع الحلول ذات الصلة بالواقع ومن ثم نخلق التغيير المطلوب.
أم أن المشكلة تكمن فيما بعد تنظيم الفعاليات، بمعنى أن متابعة ما تخلص له المؤتمرات والفعاليات من توصيات تبقى مجرد حبر على ورق، يكون الحماس قبل وخلال انعقاد المؤتمر، تتصارع الأفكار ويبذل كل جهد خلال الجلسات، وما أن يقرأ البيان الختامي أو ملخص التوصيات حتى تقفل الستارة وينتهي الكلام ويغيب الفعل اللازم لتحويل التوصيات الى ثمار حقيقية تخدم المعنيين والمتأثرين بها، وتمضي بالمركبة خطوات نحو الأمام؟!
أعتقد بأن تحقيق نتائج فعلية وقطف ثمار حقيقية على أرض الواقع يتطلب مراجعة شاملة لموضوع الفعاليات، ليس من باب تقييد الحريات، أو اضعاف مساحات الحوار والنقاش وتبادل الأفكار والخبرات ونقاش الآراء، وانما من باب التنظيم والمتابعة والتوثيق.
ماذا لو كانت هناك مؤسسة ليست رقابية وانما تكون بمثابة عنوان تبدأ منها أولى خطوات عقد أي مؤتمر، هذه المؤسسة يرسل لها نموذج ملخص تعريفي عن المؤتمرأو الفعالية المخطط لها (اسم النشاط، الهدف، الجهة المنظمة..) وبدورها توثق وتصدر اذناً ورقماً للنشاط، ومن ثم تقوم الجهة صاحبة الحدث بمتابعة خطواتها، ففي العديد من الدول لا يمكن حتى للفندق استضافة مؤتمر الا اذا حصل على التصريح أو الاذن أو الموافقة اللازمة حسب اجراءات معلنة.
ماذا لو قامت المؤسسة الإحصائية بادراج موضوع احصاءات الفعاليات ضمن برنامج احصاءات متخصص يغطي مثلا عدد الفعاليات المنظمة، تصنيفها، عدد المشاركين فيها، عدد المتحدثين.. الخ، اليس ذلك من مبادئ انتاج احصاءات ذات صلة بالواقع وتعكس احتياجات المستخدمين؟
ماذا لو كانت هناك جهة بحثية مسؤولة تقوم بدراسة وتحليل دوري على شكل تقرير سنوي للمؤتمرات والفعاليات المنظمة، تحلل التكاليف والنتائج وترصد مدى المتابعة على تنفيذ وترجمة التوصيات الى خطوات عملية على أرض الواقع، وتقدم نتائج أعمالها لمتخذي القرار والجهات المعنية حول الآثار ومستوى الإنجاز المحرز؟أليس ذلك مدخلاً مهماً لتقييم الجدوى والفعالية وجدية المتابعة ومسؤولية التنفيذ، وتخدم الجهات المنظمة قبل أي طرف، وتساعد الجهات الرسمية في مجال التنظيم والإدارة والإشراف على موضوع عقد المؤتمرات والفعاليات، وقد نكتشف فرصاً كبيرة لتحسين استخدام الموارد المالية والبشرية واعادة توجيه الموارد بما يحقق عوائد أفضل للمجتمع.
بنك وطني معرفي مشترك
نتطلع لتطوير مبادرة انشاء البنك الوطني للمعرفة، بنك ابتكاري، تتشارك فيه المؤسسة الاحصائية الرسمية، والمؤسسات البحثية، والجهات المعنية بالتمكين والاشراف على عقد وتنظيم الفعاليات، مبادرة حديثةيتم من خلالهاتوثيق كافة المعلومات عن الفعاليات والمؤتمرات وورش العمل، ويحصر ما يصدر عنها من نتائج، ويجمع التطبيقات العملية التي تدلل على ترجمة نتائج أعمال تلك الفعاليات كحقائق على أرض الواقع، بنك يشكل منصة لتجميع التوصيات والأفكار ونموذجاً لإدارة المعرفة، ومنصة غنية بالمعلومات المتعلقة بالتنظيم، وبوابة مهمة للتطوير والتحسين والابتكار، ومبادرة تعود علينا بما يخدم حسن استثمار مواردنا، ويوفر مدخلات للمخططين ومتخذي القرار وراسمي السياسات وكافة المعنيين من كافة القطاعات.
هذه دعوة لاستثمار موضوع المؤتمرات والفعاليات والانتقال بها من أنشطة فردية لتكون ضمن رؤية وطنية ومن خلال عملية منظمة ومنسقة، وقابلة للتقييم والمراجعة واستخلاص الدروس والعبر، ونقلة نوعية لتتحول المؤتمرات الى تراكم متنامٍ، يحدث تغييراً وتحسيناً مستمراً وملموساً للمواضيع والفئات المستهدفة منها، وإلا فإن هذه الفعاليات ستكون بمثابة هدر للوقت والمال والجهود، وسيبقى أثرها صعب القياس.
الحياة الجديدة