رجب أبو سرية - النجاح الإخباري - انتهت انتخابات الكنيست الإسرائيلي الحادي والعشرين، بالتجديد لليمين الإسرائيلي لمدة أربع سنوات أخرى في سدة الحكم، وبنفس الفارق في مقاعد الكنيست في دورته السابقة، وتقريبا بنفس التشكيلة الحزبية، أي أن الائتلاف الحاكم سيبقى كما هو، فقط يمكن القول إن الفارق الأوضح كان في ازدياد قوة مركزي قطبي السياسة الإسرائيلية، التي زادت بنحو عشرة مقاعد، بما يعني ضعف تأثير الحلفاء إن كان أولئك الذين سيشاركون في الحكومة أم أولئك الذين سيكونون على جانب المعارضة.
ودون تفاصيل، تم استبدال أحد شركاء الليكود ونتنياهو الطامحين لمقعد رئيس الحكومة أو حتى إلى زيادة قوة تأثيرهم على رئيس الحكومة ونقصد بالطبع نفتالي بينيت الذي كان يتزعم البيت اليهودي، بتحالف اليمين المتطرف متمثلا بشراكة «عتسما يهوديت» في التحالف الثلاثي مع البيت اليهودي والاتحاد الوطني، حيث من المتوقع أن يجلس إلى جانب نتنياهو في المجلس الوزاري المصغر كل من موشيه كحلون كوزير للمالية وافيغدور ليبرمان كوزير للدفاع، ولكن كشريكين أقل تأثيرا عما كان عليه الثنائي السابق : ليبرمان وبينيت.
وعلى جانب المعارضة حلّ «ازرق أبيض» مكان المعسكر الصهيوني مضافا إليه حزب «يوجد مستقبل» اللذين كانا في الدورة السابقة، ولا أحد يمكنه منذ الآن أن يتكهن بما ستؤول إليه أحوال هذا الحزب، أي بما يشبه ما انتهى إليه المعسكر الصهيوني من تآكل وتحلل، أم أنه سيقف في وجه الحكومة كمعارضة قوية، كما هدد قادته بعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات.
هذا يؤكد بأن السياسة الإسرائيلية السابقة ستسير في السنوات القادمة بنفس الاتجاه، ولكن بوتيرة أعلى أو أكثر وضوحا خاصة فيما يخص العلاقة مع الجانب الفلسطيني، وبأكثر قوة وسفورا، استنادا إلى ما أشرنا إليه من ازدياد قوة مركز اليمين أي الليكود داخليا، واستنادا إلى الحليف الأميركي الذي صار أشد انحيازا لائتلاف اليمين واليمين المتطرف الحاكم في ظل وجود إدارة دونالد ترامب الحالية .
وبشكل فاق التوقعات سيتم تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة بسرعة ودون أية تعقيدات، ذلك انه حتى ليبرمان قد تعلم الدرس جيدا، لذا فما هي إلا أيام أو أسابيع قليلة ويتم تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو، الذي سيبدأ ولاية جديدة مزهوا بأنه سيكون في طريقه لتسجيل أطول تواجد لرئيس حكومة إسرائيلية في مقعد رئاسة الوزراء، من بين ثلاث عشرة شخصية تولت المنصب، أي منذ تأسيس اسرائيل قبل أكثر من سبعة عقود، وأنه سيتجاوز بن غوريون نفسه مؤسس الدولة الإسرائيلية.
ولعل مقارنة نتنياهو ببن غوريون تحمل أكثر من دلالة، يتجاوز بها كونه مجرد رمز أو قائد لليمين مقابل رمز اليسار، بل يعتبر الانجاز الأهم لنتنياهو هو أن يضع الدولة التي أسسها بن غوريون على خارطة الإقليم كدولة كبرى، في انطلاقة ثانية أهم من انطلاقة التأسيس، بحيث لم تعد إسرائيل تابعاً أو محمية للغرب، خاصة الولايات المتحدة.
ولعل الدلالة الأهم هي ما ينوي أن يتوج به ترامب انحيازه التام لليمين الإسرائيلي، متمثلا بما يطلق عليه بصفقة القرن، التي ستشبه إلى حد بعيد عند إعلانها وعد بلفور، الذي كان قد فتح الطريق لإقامة «الدولة الحلم» للصهيونية، بفرض هذه الدولة على منطقة الشرق الأوسط، ليس كدولة عادية، بل كدولة مسيطرة ومركزية، لن يقتصر بذلك خطرها أو على أقل وصف ضررها على الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية وحسب، بل على ما ستجاوزه إلى العديد من دول وشعوب المنطقة، وبما يتعدى دول الجوار إلى دول الإطار أو المحيط أو الطوق الثاني وصولا إلى العراق وإيران والخليج العربي.
وحيث كانت بريطانيا أيام بلفور هي قائدة الاستعمار العالمي، فإن الولايات المتحدة في عهد ترامب تقود اليوم حالة القهر العالمي، والتي تظهر من خلال محاولتها لإعادة الهيمنة والسيطرة والسطو المالي على العديد من مناطق العالم .
أيام ويكون الشرق الأوسط على موعد مع لحظة حرجة لن تقتصر عليه بل ستشمل أوروبا، ليس وفق تعبير الرئيس محمود عباس، بل وفق ما عبر عنه مسؤولون أوروبيون سابقون من 37 دولة منهم رؤساء حكومات ووزراء خارجية، وقّعوا على نداء يدعو إلى إعادة التأكيد على حل الدولتين استباقا لما تنويه إدارة البيت الأبيض الأميركي من إعلان عن الصفقة المذكورة.
وقد لاحظ القادة الأوروبيون السابقون ضرورة أن تتصرف أوروبا بشكل استراتيجي ولا تقع في خطأ الصمت أمام الإعلان الأميركي المرتقب، حيث يتصرف ترامب وفق حسابات عابرة، دون إدراك لما سيحدث نتيجة سياسته هذه على المدى البعيد من اضطراب في الشرق الأوسط يصل أوروبا القريبة، وقد يصل إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
بالطبع هناك فارق جوهري بين ما تتحلى به أصلا الثقافة السياسية الأوروبية بعد قرون من التقدم المدني، وما تتصف به الثقافة السياسية الأميركية من براغماتية تعود إلى مؤسسيها من قراصنة البحار والهاربين من العدالة في أوروبا بعد انطلاق الثورة الصناعية، بما يشبه ما رافق نشأة إسرائيل في ظل الحرب الباردة، حيث تلاحظ نزعات الاستبداد بين صفوف اليمين الإسرائيلي واليمين الأميركي خاصة فيما يتعلق بنزعة التمييز، ولعل في ما يظهره ترامب وطاقمه من نزوع للفردية في رسم السياسة الخارجية الأميركية ومن تفرد لشخصية نتنياهو المستندة إلى حكم متواصل عبر ثلاثة عشر عاماً مضت، ما يوحي بأن كلا الرجلين لا يختلفان كثيراً عن قادة الانقلابات العسكرية، وكم من مستبد خرج من عباءة صندوق الاقتراع، وليس هناك ما هو أكثر استبدادا من نظام حكم يسعى لفرض إرادته السياسية على الآخرين مستخدماً كل أشكال القهر من قوة عسكرية ومالية وغيرهما.
وأقل ما يمكن أن يقال في صفقة ترامب أنها أعدت دون علم الطرف الفلسطيني وأنها محاولة «لفرض حل الاستسلام» على شعب محتل ومكافح من أجل العدالة الإنسانية، من طرف ليس له علاقة، وأقل ما يقال في وجه ترامب هو: اغرب عن وجهنا وغادر منطقتنا.