عبد الغني سلامة - النجاح الإخباري - لا أميل لرفع سقف التوقعات من الحكومة الجديدة، ليس استهانة برئيسها، ولا لأنَّ التوقعات الكبيرة قد تجر حالة إحباط كبيرة؛ بل لأنّ قراءة الواقع بعيدا عن العواطف والتمنيات، تعطي مؤشرات بأن الحكومة ستكون مقيدة بالكثير من المعيقات والعراقيل.. ولا يخفى على أحد مدى صعوبة الوضع الفلسطيني سياسيا واقتصاديا، خاصة مع حالة الحصار المالي، والعقوبات الأميركية، وما تقوم به الحكومة الإسرائيلية من قرصنة وابتزاز على عائدات الضرائب الفلسطينية (أموال المقاصة) والتي تشكل نحو ثلث الموازنة العامة.. فضلا عن المخاطر المترتبة والأثمان الباهظة التي سيدفعها الطرف الفلسطيني بسبب رفضه لما يسمى صفقة القرن.
هذا إلى جانب المعيقات الموجودة أصلا، والناجمة عن الخلل الفادح في موازين القوى، وسيطرة الاحتلال على معظم الأراضي، وهيمنته على الموارد والمياه.. والممارسات الإسرائيلية التعسفية، لمنع وتثبيط أي محاولة فلسطينية للنهوض بالاقتصاد الوطني، أو الانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي، والحد من تبعيته.
هذه كلها معيقات موضوعية، موجودة، ربما كانت أحد أهم أسباب تعثر جميع المخططات والمشاريع التنموية التي وضعتها الحكومات السابقة، ومن المؤكد أنها ستعيق أي تطلعات نحو المستقبل.. ولكنْ، ثمة أسباب وعوامل ذاتية للفشل، لم يكن الاحتلال هو المسؤول عنها.. ممارسات سلبية، وأخطاء فردية وجماعية، واجتهادات متسرعة وغير مدروسة، كلها مورست سابقا، وهي تدل فقط على حالة التخبط والعشوائية والارتجال، وغياب الإستراتيجية الوطنية عن التخطيط والتفكير.
لقد اقترفت الحكومة السابقة سلسلة أخطاء، كل خطأ كان أسوأ من سابقه.. وحتى في الحالات التي كانت فيها مظلومة إعلاميا، أو تتعرض لهجمات سياسية غير بريئة من خصوم غير صادقين.. لم تكن تعرف كيف تدافع عن نفسها، أو توضح موقفها، وكأنَّ الهجوم على حكومة مدغشقر!
ما أود قوله، إن هنالك القليل، وربما القليل جدا مما يمكن للحكومة أن تنجزه (سياسيا واقتصاديا)، بسبب المعيقات التي تفوق قدراتها.. ولكن هنالك الكثير، والكثير جدا مما يمكن لها أن تتجنبه، أي منع تكرار الأخطاء التي مارستها الحكومة السابقة.. وأظن أنّ ذلك كاف لدرجة مُرضية.. فشعبنا واعٍ ومدرك لحقيقة الأمر، والواقع، وإمكانيات السلطة.. ولكن أكثر ما يسيء له، هو تلك الأخطاء التي كنا نقترفها بأيدينا.. وكانت في كل مرة تسيء لسمعة السلطة، وتراكم المزيد من الخصوم والأعداء، وتزودهم بالمادة الإعلامية التي يحتاجونها لمواصلة تشويههم للسلطة.
في عهد الحكومة السابقة، حصل حراك جماهيري أكثر من مرة؛ إضراب المعلمين، الحراك الشعبي ضد قانون الضمان الاجتماعي.. كانت حراكات منظمة، وحضارية (بغض النظر عن مدى مشروعية مطالبها، والدور المنسوب لرأس المال، خاصة في قضية الضمان الاجتماعي).. المهم أن التظاهرات كانت سلمية، وهادئة، وكان يمكن لها أن تعكس صورة مشرقة عن الوعي الشعبي.. بيد أن ردات فعل الحكومة (من خلال الأجهزة الأمنية) كانت قمعا وتنكيلا لا مبرر له، بما في ذلك قمع للصحافيين، ما عكس صورة مخزية عن السلطة الوطنية.. وهذا تكرر أيضا في التظاهرات الشعبية ذات الطابع السياسي.
ولم يكن خطأ الحكومة في المعالجة الأمنية فقط، فقد كانت إدارتها لتلك الملفات خاطئة، بطريقة ارتجالية تدل على تخبط، وكان الإعلام الرسمي يقوم بدور السحيج، مغيبا ومتنازلا عن دوره المهني والوطني.
وفي مجال حرية التعبير، ظهر قانون الجرائم الإلكترونية، بشكل يكرس السلطة القمعية.. كما ورطت الحكومة نفسها في قضايا حرية تعبير لم يكن أي داع لها، مثل محاكمة الصحافي جهاد بركات بسبب صورة التقطها لرئيس الحكومة وهو على حاجز إسرائيلي! وقضية الزميلين نائلة خليل، ورامي سمارة! وغيرها.. كما ظلت الحكومة تتلكأ في موضوع حرية الوصول لمصدر المعلومات.. وفي تقارير الهيئة المستقلة لحقوق المواطن ما يشير إلى استمرار الاعتقالات التعسفية، وحالات تعذيب في السجون.
في مجال الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد.. لم نلحظ إنجازات مهمة، بل إن آخر قرار أصدرته الحكومة السابقة كان تعيين سائق ومرافق لكل وزير انتهت ولايته! وهذا إجراء يتعارض مع حالة التقشف التي ادعتها، ولحسن الحظ فقد أوقف الرئيس ذلك القرار.
بالنسبة لغزة، لم يكن إخفاق الحكومة في إنهاء ملف الانقسام، ربما للطبيعة السياسية لهذا الملف، وبسبب تعنت «حماس».. لكنها أخفقت في التواصل مع أهلنا في غزة، وتحسس مشاكلهم وقضاياهم الحياتية، فضلا عن قرارات الإحالة إلى التقاعد المبكر، وخصم الرواتب، وغير ذلك.
لا أريد هنا إجراء تقييم أو محاكمة للحكومة السابقة، فمثل هذا العمل يتطلب جهدا جماعيا منظما.. ولكن ما أشرت إليه كان ما ظهر جليا في الإعلام، وما لمسه وعاشه الناس، وما زالوا يذكرونه.. وهي عموما أخطاء كان يمكن تجنبها.
ما نريده ونتوقعه من الحكومة الجديدة أن تتنبه لمثل تلك الممارسات.. وألا تكرر نفس الأخطاء، خاصة في مجالات الاعتقال السياسي وحرية التعبير وقمع التظاهرات.. ليس بوسعنا أن ننجز الكثير، فعلى الأقل لنتدارك الأخطاء.
ثمة أشياء كثيرة ومهمة يمكن للحكومة أن تفعلها، ولا يمكن للاحتلال هنا أن يكون عائقا.. التواصل مع الناس، زيارة القرى النائية، والمخيمات، ومناطق خلف الجدار، وتفقد احتياجاتهم بشكل مباشر.. زيارة وتفقد مقرات الوزارات والمؤسسات الحكومية، وخاصة تلك التي تقدم خدمات مباشرة للجمهور.. ربما تجدون البلاوي.. وربما تجدون ما يسر البال، وما يستدعي التطوير والتحديث.
بوسع الحكومة التخفيف من إجراءات تنقل المسؤولين، أي المواكب والحراسات والمرافقين.. جربوا التواضع والبساطة، ولن تجدوا من شعبكم سوى المحبة والتشجيع والمؤازرة.
نتوقع الالتفات للشباب، بعد سنوات من التهميش والإهمال، وربما تساهم وزارة الريادة والتمكين (وهي جديدة) بحل، ولو جزئيا، لمعضلة البطالة.. ونتوقع من وزارة الصحة، والتربية والتعليم والثقافة مواصلة ما تم إنجازه، لاسيما وأن تلك الوزارات الثلاث ربما كانت الأفضل من حيث التخطيط والأداء والمنجزات.
إذا كان أداء الحكومة مهنيا، ونجحت في تجنب الوقوع في الأخطاء، أو على الأقل محاسبة من يخطئ.. وحتى لو لم تفِ بوعودها ولم تتمكن من تحقيق برامجها.. فأنا على يقين بأن الشعب سيتفهّم ذلك، وسيدعمها بكل ما لديه من محبة، ومن وعي وطني متجذر.
الحياة الجديدة