مكرم محمد أحمد - النجاح الإخباري - - يحتار المرء مع منظمة حماس بحثاً عن حقيقة أهدافها وهويتها، متسائلاً: ماذا تريد حماس على وجه التحديد بعد ما يقرب من 32 عاماً من ولادتها التي جاءت لتحرير كامل التراب الفلسطيني من النهر إلى البحر عبر البندقية والكفاح المسلح؟!، ويكاد يتمثل نجاحها الوحيد حتى الآن في أنها شقت الشعب الفلسطيني وقسمته ربما للمرة الأولى على نحو عقائدي وجغرافي لتخلق في قطاع غزة إمارة انفصالية تحكم الشعب الفلسطيني بالحديد والنار، وتسوم شبابه أسوأ صور المعاملة، تضربه بالهراوات الثقيلة وقضبان الحديد، وترشه بغاز الفلفل، وتطلق فوق رؤوسه الرصاص الحى للإرهاب والتخويف في معسكرات البريج والنصيرات ودير البلح وجباليا وخان يونس ورفح لتكبح تظاهراته التي خرجت منذ الخميس الماضي، تساندها كل الفصائل الفلسطينية، تحمل شعارا واحدا "بدنا نعيش".
وتضطرب علاقات حماس مع مصر لتصل في أحيان كثيرة إلى حد التآمر وتهديد الأمن القومي المصري، وحفر الأنفاق عبر خطوط تماس الحدود، يستخدمها القتلة والإرهابيون فضلاً عن استخدامها في عمليات تهريب واسعة تشمل السيارات المسروقة من مصر التي تتقاضى عنها حماس إتاوات باهظة، إلى أن ترغمها ظروف الحصار على استرضاء مصر من أجل فتح المعابر أو منع إسرائيل من الإضرار بها، لكن ما يبدو واضحاً في هذه العلاقات المضطربة هو غياب الشفافية والصدق وازدواج السكك من جانب حماس.
وعلى امتداد الأسبوع الماضي تنقل وفد أمنى مصري ما بين قطاع غزة وإسرائيل في عملية مكوكية استهدفت إقناع إسرائيل بوقف خططها للتصعيد مع حماس التي تصل إلى حد التهديد بغزو القطاع وتدمير بنية حماس العسكرية واستهداف قياداتها، رداً على إطلاق حماس صاروخين دون أي مسوغ على منطقة جوش دان وسط إسرائيل قريباً من تل أبيب، في البداية أنكرت حماس أن تكون المسؤولة عن إطلاق الصاروخين ووعدت بتحقيق القضية في أسرع وقت ممكن، ثم عادت للاعتراف بأن الصاروخين أطلقا بطريق الخطأ أثناء مرور فريق فلسطيني للصيانة على قاعدة الإطلاق، وطلب يحيى السنوار قائد حماس من فريق الأمن المصري أن يبلغ إسرائيل بأن حماس لم تكن تقصد إطلاق الصاروخين، ولأن الصاروخين جرى إطلاقهما أثناء وجود الوفد الأمني في القطاع، غضب المصريون لانعدام الشفافية من جانب حماس ولأنها أيضاً تغافلت عن وجود الوفد الأمني المصري في القطاع وأطلقت الصاروخين دون أن تضع في اعتبارها أمن الوفد الأمني، وما زاد من غضب الوفد المصري أنها ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها حماس إلى هذه اللعبة المزدوجة التي تقوم على الإنكار أو الادعاء بأن آخرين ربما تكون من بينهم منظمة الجهاد الإسلامي هم الذين خرقوا اتفاق التهدئة!
وبسبب غياب الشفافية واللجوء إلى هذه اللعبة المزدوجة، يتشكك المصريون دائماً في صدق حماس بما يزيد من أزمة الثقة بين الجانبين، ويفرض بين الحين والآخر هذا التساؤل المهم: ماذا تُريد حماس على وجه التحديد؟، وما هي حقيقة أهدافها وهويتها؟!، إن كانت لا تستطيع كما وعدت أن تُحرر أرض فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر وتلح على التهدئة مع إسرائيل في الوقت الذى تطلق فيه صاروخين على منطقة تل أبيب وسط إسرائيل دون أي مسوغ حقيقي، ثم ما هي مسوغات أن تحكم القطاع بالحديد والنار وأن تسوم شبابه أسوأ صور العذاب، وتطارد صحفيي القطاع كي لا يسجلوا بالصورة وحشية تعاملها مع الشعب الفلسطيني، بينما تعجز عن الوفاء بأدنى احتياجات شعبها، وتغلق كل الطرق أمام المصالحة الوطنية الفلسطينية التي تُشكل الحل الوحيد والصحيح لأزمة الشعب الفلسطيني؟، ولو أن حماس نجحت في أن تقيم في القطاع نظاما عادلا يفي بكل حقوق المواطنة للجميع، لكان من الممكن غفران أوجه قصورها الأخرى، لكن حماس تفرض في القطاع نظاما متعسفا لا يساوي بين الجميع، يعطى لأعضاء حماس ومشايعيهم كل الحقوق على حساب الشعب الفلسطيني الذي يعاني الفقر والجوع والبطالة وغياب الفرص المتكافئة، كما يعاني صور التمييز التي تخص حماس وأصدقاءها دون باقي الشباب الفلسطيني الذى يهتف في شوارع غزة صارخاً: "بدنا نعيش".
*رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر
الحياة الجديدة