فيصل ابو خضرا - النجاح الإخباري - سكت جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومستشاره، وكلاهما من الموالين للصهيونية والاحتلال الإسرائيلي والداعمين لهما، ومن ثم نطق وياليتة بقي ساكتاً حتى نهاية إعلان "الصفعة" التي ستُرَد عليه وعلى الإدارة الأميركية بصفعتين. وطالما انه لم يذكر ان القدس الشرقية عاصمة فلسطين والعودة الى خطوط العام ١٩٦٧م وحق شعبنا في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة، وحل عادل لقضية اللاجئين حسب القرارات الدولية، التي وقعت عليها اميركا وإطلاق سراح كافة الأسرى، فلا داعي لجولاته ومشاوراته مع رفيق دربه غرينبلات، الذي يبدو أنه اصبح الناطق الرسمي لحكومة الاحتلال الاسرائيلية، يتبنى مواقفها ويدافع عنها، وينتقد بشدة الأمم المتحدة لانتقادها إسرائيل،و،لا داعي للعمل لتسويق هذه الصفقة التي ولدت ميتة قبل الإعلان عنها.
مبعوثو الإدارة الأميركية يلفون ويدورون حول "حل" باهت، والحقيقة أنهم يدورون في حلقة مفرغة، ويتحدثون كما طرح كوشنر، عن ترسيم للحدود يتناقض مع كل ما صدر من قرارات دولية ومع مواقف الإجماع الدولي ، لتنسجم مواقفهم وطروحاتهم مع الاحتلال غير الشرعي ومع ما يطرحه اليمين الإسرائيلي المتطرف وعلى رأسه نتنياهو، أي حدود ٢٠١٩م ، بمعنى إعطاء شرعية لنهب وسرقة الأراضي الفلسطينية، وإعطاء شرعية للاستيطان غير الشرعي الذي يدينه العالم أجمع، بحيث يبقي هذا الاحتلال سيطرته على الأغوار وعلى ٦٠ بالمئة من الضفة الغربية عدا عن التهام القدس العربية المحتلة.
اما المضحك، فهو أن ترامب ومبعوثيه وزبانيته الصهاينة لا زالوا يعتقدون بأن مشكلتنا مادية وحلها مالي يأتي من الدول الخليجية. وهذا يعني ان كوشنر سكت ثم عاد وكرر مقولة ترامب بأن الأموال التي يتحدث عنها سوف تأتي من الدول العربية وخصوصا ً الخليجية، وكأن هذه الدول هي السبب بنكبة الفلسطينيين، وبذلك يعفى الاحتلال من كل ما سببه من معاناة وخسائر للفلسطينيين على مدى عقود طويلة.
والأنكى ان يتجاهل هؤلاء المبعوثين قضية اللاجئين، وهي المحور الأساسي للقضية الفلسطينية، وعدم ذكر اي شيء عن حلها، علما أنها تضاهي قضية القدس في أهميتها. و كلما أمعن كوشنر في الحديث وجدناه يلف ويدور ويعود ليتكلم عن ازدهار الاقتصاد الاسرائيلي والفلسطيني، في استخفاف بالشعب الفلسطيني واستهتار بعقليته، فشعبنا يعرف جيدا حقوقه الثابتة والمشروعة والخطوط الحمراء التي لا يمكن لأحد تجاوزها.
كما يتجاهل كوشنر وغيره من مبعوثي ترامب التنازلات الكبيرة التي قدمها الفلسطينيون في محاولة لحقن الدماء وإنهاء دوامة الحروب وتحقيق السلام عندما وافقوا على تقاسم أرض وطنهم التاريخي، طمعا بالسلام العالمي وليس فقط السلام بين محتل غاصب بدعم أمريكي و بريطاني وبين شعبنا، حيث تبقى هذه المنطقة من العالم معيارا للحرب والسلام.
ومن السخف الحقيقي أن يوهم كوشنر نفسه بأننا سنعتقد أنه حريص جداً على إنهاء الانفصال أو أنه يسعى لوحدة قطاع غزة مع باقي فلسطين.
وفي محاولة منه كي يمرر هذه الصفقة البائسة وجد أن الأنسب له أن يزور الدول الخليجية التي تعادي ايران ، وينسى أو يتناسى أو لا يعرف أن التدخل السافر من ايران في الدول العربية شيء مختلف تماما عن القضية الفلسطينية، ولا يمكن مقايضة هذا بذاك. لذلك لجأ كوشنر وغيره من مبعوثي ترامب الى خلط الأمور كما يصورها لهم نتنياهو، الذي يوهم نفسه بأن الدول العربية يمكن أن تنسى القدس وفلسطين يوما بسبب ايران أو غيرها.
وفعلا قام كوشنر بزيارة السعودية والكويت وقطر والإمارات وعمان وسمع من قادتها الموقف الذي اتخذ في القمم العربية المتتالية، وأخيرا في قمة شرم الشيخ، التي شكلت صفعة مدوّية للإدارة الأميركية ولهذه الجولة التي تم الرد عليه خلالها بقرارات قمة شرم الشيخ إضافة إلى رد الدول العربية الثابت المؤيد للحقوق الفلسطينية ، وفي مقدمتها السعودية وباقي الدول الخليجية والعربية بما فيها مصر والأردن، وأيضا الدول الأوروبية.
شعبنا الفلسطيني ليس لديه قنابل ذرية ولا أسلحة فتاكة أو دبابات وطائرات حربية ،كما لدى عدوتنا اسرائيل وحليفتها الكبرى أميركا، ولكن لدنيا قضية مقدسة وحق وطني يعترف به العالم أجمع بما فيه الشعب الأميركي وإدارات أميركية سابقة، ولدينا تصميم وإرادة وتاريخ نضالي طويل وتضحيات جسام من أجل الحرية والاستقلال، وهذه لا يمكن لكوشنر أو غرينبلات أو ترامب أو نتنياهو أن يشطبوها بجرة قلم أو بوعود خادعة أو صفقات يرفضها أصغر طفل فلسطيني.
هذا هو عنصر القوة الفلسطيني الذي لا تستطيع اسرائيل ولا أميركا بكل جبروتهما العسكري التغلب عليه، ولعل من الأجدر بكل هؤلاء أن يتمعّنوا جيدا في التاريخ الحديث والقديم كي يدركوا كيف جر الاستعمار الأميركي والفرنسي والغربي عموما أذيال خيبته من فيتنام والجزائر ودول اخرى في آسيا وإفريقيا، فإرادة الشعوب المتطلعة للحرية هي الأقوى.
لقد فضح المحامي مايكل كوهين، المحامي السابق لترامب، هذا الرئيس الأميركي الموالي للصهيونية وعرّاه أمام الكونغرس في شهادته، ووصف ترامب بالعنصري والمخادع، وفقدانه للمثل التي يجب أن يلتزم بها أي سياسي.
صحيح أن المحامي كوهين أدين سابقا بالكذب وحكم لمدة ثلاث سنوات، ولكن مجلس النواب والشيوخ استجوباه بطريقة تستهدف إحراجه، لكنه اعترف بكذبه كي يغطي على أفعال ترامب المشينة، ولكن عندما أبرز لهذه اللجنة ورقة واحدة من إحدى عشرة ورقة موقعة من ترامب، تكشف كذب الرئيس الأميركي المستشري، فقد أعاد ذلك الأمور الى الاستخبارات كي تستجوب كوهين لمعرفة الحقيقة.
وهذا يذكرني بتمثيلية ترامب أمام زوجته وابنه و حاخام حائط البراق، حيث مشى بكل احترام المؤمن وعلى رأسه القلنسوة التي يعتمرها المتدينون اليهود، وو ضع يده على الحائط، ولا ندري ماذا قال ومن ثم عاد لابنته وزوجته بكل احترام. وطبعاً الذي يعرف أخلاق ترامب وكيفية تعامله مع النساء ونظرته لهن، كما نشر في وسائل الإعلام الاميركية نفسها، ومن عمل معه لدرجة أن الكثيرين منهم هرب أو استقال من مواقفه المشينة والإشكالية، وآخرها المشاكل التي تسبب بها في حياته العملية بعد انتخابه كرئيس لأكبر وأقوى دولة في العالم، سواء مع أوروبا أو الصين أو المشاكل الداخلية، يدرك حقيقة التمثيلية التي أداها ترامب أمام البراق.
في الستينيات من القرن الماضي كان هناك اثنان من ممثلي الفكاهة في مصر يمتازان بتمثيل الكذب وهما "ابو لمعة" و"سنيدة الخواجة بيجو" وفي هذا القرن يوجد زعيمان اشتهرا بالكذب وهما نتنياهو وحليفه ترامب، بشهادة الكثير من زعماء العالم.
وهنا نقول سبحان الله العلي العظيم الذي قال في منزل كتابه "هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ" - سورة الحشر(٢) وكذلك آيات اخرى بيّنات في القرآن الكريم حول خلافات اليهود مع بعضهم البعض ومصير كل اؤلئك، وكما ورد في سور الحشر والمائدة والبقرة ، وقوله تعالى" وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (المائدة -٦٤).
هذه المواقف وهذا الظلم الذي يصر عليه هذا الرئيس الأميركي، الداعم للاحتلال والصهيونية والمتنكر للشعب الفلسطيني وحقوقه، وتلك المواقف التي تهدد الاستقرار العالمي، كل ذلك يؤكد عدم قدرة ترامب وجديته التي لا تصل حتى الى أدنى مستوى من المسؤلية كرئيس لأكبر وأقوى دولة في العالم.
ان الشعب الفلسطيني يعرف تماما ما يريده ولن يتنازل قيد أنملة عن الثوابت التي أعلنتها منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، والتي أقرتها الشرعية الدولية والقمم العربية والإسلامية والإفريقية وعدم الانحياز.
ولا بد أن نذكر ونكرر دائما لربما ينفع ذلك الإخوة في فصيلي "حماس" و"الجهاد" الذين ما زالوا يضعون شروطا تعجيزية أمام منظمة التحرير، قائدة مسيرتنا الوطنية، ونقول لهم بأن الشعب الفلسطيني يحترمكم ويقدر وطنيتكم ويؤمن بحقكم في التعبير عن مواقفكم، لأن جميع الفلسطينيين لن يهدأ لهم بال إلا باسترجاع كامل حقوقنا المشروعة، ولكن يجب أن تمارسوا حقوقكم في إطار الإجماع الوطني والبيت الفلسطيني الجامع، منظمة التحرير التي يعترف بها العالم أجمع، وتحت سقف انتخابات تعبر عن إرادة الشعب الفلسطيني، لا أن تفرض المواقف خارج هذا الإطار الشرعي أو أن يتم التشكيك بالمنظمة وبشرعيتها، مما يضر بالكل الوطني الفلسطيني وبالقضية برمتها، ومن حقكم التعبير عن مواقفكم، حتى وإن اختلفت الآراء، تحت هذا السقف الوطني على ان يلتزم الجميع بقرارات الأغلبية وفق الديمقراطية التي نؤمن بها، ولكن لا يحق لأي فصيل ان يسيطر على أي جزء من الوطن بقوة السلاح ولا أن يكرّس الانقسام والانفصال.
وفي تاريخنا الوطني والنضالي طالما اعتبرنا الدم الفلسطيني خطاً أحمر وطالما رفعنا شعار عدم رفع السلاح ضد بعضنا البعض لحل أي خلاف أو لانتزاع حق، وطالما نادينا بالديمقراطية والحوار والتفاهم واحترام الأطر الشرعية الفلسطينية، التي رسخنا شرعيتها إقليميا ودوليا بالنضال والتضحيات الجسام، ولكن مع الأسف غاب كل ذلك وتم تجاوز الخطوط الحمراء، وما زلنا منذ سنوات طويلة نعاني هذا الانقسام البغيض الذي لم يخدم الشعب الفلسطيني وقضيته بل خدم فقط هذا الاحتلال الذي يمضي قدما في استهداف الجميع وفي تصفية القضية، فهل آن الأوان كي يفيق الجميع من سباتهم ويحترموا إرادة شعبنا، لنستعيد الوحدة تحت سقف الشرعية الفلسطينية، ونمضي معا قدما نحو تحقيق أهداف شعبنا وتطلعاته المشروعة؟ أنها مسؤولية كافة الفصائل والقوى ... فهل من مجيب؟!
عن القدس الفلسطينية