عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - هناك آراء مختلفة حول هذا السؤال.
الإجابة الأكثر شيوعاً هي التي تعتبر أن هذه الانتخابات ليست فاصلة بأي حال من الأحوال، في ضوء أن الاختلافات بين معسكر اليمين واليمين المتطرف من جهة و»اليسار» والوسط من جهة أخرى حيال مسألة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وحيال إمكانيات تحقق انطلاقة في عملية سلام جادّة تكاد تكون معدومة، إن كان لجهة الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية أو حتى لجهة الاستعداد للتفاوض حول هذه الحقوق تحديداً.
ومن هذه الزاوية بالذات فإن أصحاب هذا الرأي وهذا الاعتبار والمنطلق لا يرون في الائتلاف القادم في إسرائيل، سواءً كان هذا الائتلاف يمينياً خالصاً أو يمينياً «مطعماً» بعناصر وأطياف أخرى، أو حتى ائتلافاً مختلطاً بين الليكود وبين «أبيض ـ أزرق». مع تلوينات هنا وهناك... لا يرون فيه سوى نُسخ من الائتلاف الذي حكم في إسرائيل طوال العقد الماضي، وأن أية اختلافات بهذه الدرجة أو تلك، وبهذا القدر أو ذاك ليست سوى اختلافات هامشية وفرعية من حيث الشكل، واختلافات في الدرجة وليس في النوع بقدر ما يتعلق الأمر بالجوهر والمضمون. باختصار، لا يعير أصحاب هذا الرأي أية أهمية لإسقاط اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل وما يمكن أن ينتج عن هذا الإسقاط من تداعيات داخلية إسرائيلية، وإقليمية دولية، ومن نشوء وتطور آليات دفع جديدة في مسار الصراع.
في الواقع الإسرائيلي، إسقاط اليمين واليمين المتطرف مسألة فاصلة وكبيرة، وتكاد تكون هذه المسألة بالذات هي المعركة الحقيقية في الصراع الداخلي الإسرائيلي اليوم.
أما هنا، فيتم تجاهل هذه الأهمية في المعادلة الداخلية الإسرائيلية، ولا يتم رؤية العلاقة بين مُخرجات هذا الصراع وبين إمكانيات التأثير اللاحق على مسار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو ما يعني أن أصحاب هذا الرأي لا يملكون منهجاً متماسكاً في معالجة كل عناصر ومكوّنات المعادلة الإسرائيلية والتأثير المتبادل لها، وما يمكن أن يُفضي إليه هذا التأثير من تطورات ومن معادلات.
لكن ومع ذلك كله فإن الغالبية الكبيرة من الناس تؤيد هذا الرأي، وترى أن الحديث عن أية اختلافات في ظل البرامج المعلنة للأحزاب الإسرائيلية المتنافسة في إسرائيل إنما هو لغو سياسي ليس إلاّ.
النقص الأخطر في رؤية هذا الرأي يكمن في أنه يقيس الأهمية المتوخّاة من الانتخابات الإسرائيلية بالحل السياسي الممكن والمتوازن.
وعموماً وبالاعتماد على أداة القياس لدى أصحاب هذا الرأي فإنه رأي صحيح وصائب ولكنه يفتقد للعمق المطلوب في معادلة الصراع، لأن المرحلة التي نعيش فيها ليست مرحلة الحل وإنما مرحلة فرض الحل الأميركي الإسرائيلي.
وارتباطاً بهذا الفهم بالذات فإن إسقاط اليمين واليمين المتطرف يعني ولو مؤقتاً درء أخطار كبرى ومصيرية.
كيف؟
قلنا إن البحث عن الحلّ كمرحلة أصبحت خلفنا، وأن المرحلة الحالية هي مرحلة فرض الحل.
فرض الحل معناه تكريس الواقع والانطلاق منه نحو إيحاد ترتيبات تكرسه من جهة، وتفتح مسارات جديدة من الحلول الجزئية والمؤقتة، اقتصادية أولاً واجتماعية سياسية ثانياً، بحيث تتحول القضية الفلسطينية وفق هذه الحلول والترتيبات إلى احتياجات يتم التعاطي معها ليس على أساس شعب واحد وإنما على أساس تجمعات مناطقية لا يربطها رابط سوى العلاقات الاقتصادية والاجتماعية عَبر المنافذ الإسرائيلية، كما لا يربطها أي رابط سياسي مع الخارج الفلسطيني سوى عَبر التحكم الإقليمي والدولي، وبالتالي يتم حصر «احتياجات» الشعب الفلسطيني في تجمعات مبعثرة وتشتيت هذه التجمعات عَبر إنهاء التمثيل السياسي الواحد والموحَّد وعَبر فصل القطاع وعَبر التحكم الكامل بعلاقة الضفة بالقطاع وعَبر الفصل التام بين الداخل والخارج (الوطن والشتات) عَبر تصفية قضية اللاجئين بالوسائل السياسية والاقتصادية المختلفة والمتلازمة.
لو دققنا في ما يجري على الأرض لوجدنا أن ما يتم العمل عليه هو بالضبط هذا المخطط.
الجهة السياسية المتماسكة والمثابرة لفرض هذا الحل والتي تمتلك الرؤى والبرامج والمخططات هي اليمين واليمين المتطرف. وهذه الجهة بالذات متوافقة ومنسجمة مع إدارة ترامب، وهي التي تصيغ «صفقة القرن» وفق هذه الخطة.
أما باقي القوى السياسية فهي في الواقع منفتحة على هذه الأطروحات اليمينية واليمينية المتطرفة ولكنها لا تمتلك المخططات ولا البرامج ولا الأدوات الكاملة والكافية بعد.
وهي يمكن أن تنفتح على حلول أخرى، موازية أو بديلة أو حتى مناقضة، إذا ما وجدت المقاومة الكافية من الشعب الفلسطيني، في حين أن اليمين واليمين المتطرف في حال إن ووجه بمثل هذه المقاومة فإنه سيلجأ إلى «الترانسفير» وإلى أعتى أشكال العنف والحروب والعربدة.
إذاً لا يفيدنا كثيراً الحديث عن أن الكل في سلّة واحدة، وأن لا فرق، وأن لا أهمية لهذه الانتخابات.
العكس تماماً هو الصحيح. فإن هذه الانتخابات فائقة الأهمية وفائقة المفصلية طالما أننا نتحدث عن مرحلة فرض الحلول المعادية وليس عن مرحلة البحث عن الحل المتوازن.
صحيح أن هذا الرأي لا يجد رواجاً كافياً في الأوساط الفلسطينية، لكنه كما أرى هو الرأي الأصح والأعمق والأجدر بالتفكر والتمحيص.
والسبب بكل بساطة لأن إسقاط اليمين واليمين المتطرف يعني قطع الطريق على الطرد الجماعي والقتل والعدوان المتكرر، وتحويل مقاومة الحل الذي يحاولون فرضه إلى فرصة سياسية بدلاً من أن تكون ذريعة للإمعان في الغطرسة والعدوان والقتل.
هذا الفرق إن لم تفكر القوى السياسية الفلسطينية في أهميته تكون قد غادرت ساحة الفعل السياسي وانتقلت إلى منابر الخطابة السياسية.
عن صحيفة الأيام الفلسطينية