النجاح الإخباري - شاركت ستون دولة في مؤتمر يعقد تحت مسمى "السلام والاستقرار للشرق الأوسط" في مدينة وارسو عاصمة بولندا.
الانقسام العالمي بشأن المؤتمر يمكن ملاحظته بسهولة.
أميركا، الدولة الداعية لهذا المؤتمر، تشارك بنائب رئيسها مايك بينس، ووزير خارجيتها جورج بومبيو، ومسؤولي ملفها عن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، جاريد كوشنر وغرينبلات، ويشارك فيه روديو جولياني، عمدة مدينة نيويورك سابقا والمحامي الخاص للرئيس ترامب حالياً.
في المقابل، تشارك الدول الأوروبية الأهم ألمانيا وفرنسا بممثل لكل منهما من وزارة خارجية البلدين، ربما كلاهما برتبة مدير عام، لكن قطعاً ليسوا وزراء خارجية أو نوابا لهم.
من جهتها، بريطانيا سترسل وزير خارجيتها للمؤتمر، لكنها فعلت ذلك بعد أن وافقت لها أميركا على رئاسة جلسة خاصة باليمن وبخلاف ذلك ما كانت ستشارك فيه بهذا المستوى.
الروس والصين وتركيا رفضوا الحضور.
أما العرب فإن نصفهم مشارك ونصفهم الآخر رافض لها. النصف الرافض لا يرغب في معادة ايران علنا. والنصف المشارك لا يريد إغضاب البيت الابيض.
هذا الانقسام الدولي بشأن المؤتمر له جذوره. فكرة المؤتمر بدأت بعد أن أعلنت إدارة ترامب عزمها الانسحاب من سورية، هذا دفع جزءا من العرب إلى الإدراك بأن معركة سورية انتهت بانتصار نظام الأسد وحلفائه الروس والايرانيين.
والأهم من ذلك، أنه ذكرهم بعبثية الاعتماد والتطبيل لإدارة ترامب التي اعتقد البعض منهم أنها ستفعل في سورية ما لم تقم بفعله إدارة الرئيس السابق أوباما وأنها ستقوم بإرسال جيشها لسحق النظام السوري وانهاء ارتباطه بإيران.
على العكس تماما، تبين لهم أن موقف إدارة ترامب هذا فيه إذعان ورضوخ لما تريده روسيا وإيران، وبالتالي فإن من الافضل لهم أن يعيدوا علاقاتهم بدمشق خصوصاً وأن تركيا، الدولة التي ستكسب أكثر من الانسحاب الأميركي من سورية، تعادي هذه الدول وتدعم المعارضة الاسلامية فيها وخطرها بالتالي اكبر من الايراني الذي يمكن التغلب عليه لطبيعته المذهبية.
الاقتراب من سورية يعني ان هذه الدول ستغض النظر أو ستقبل بالوجود الايراني في سورية، وهذا ما لا تريده إسرائيل وحلفاؤها في البيت الأبيض والكونغرس المؤيدين لإسرائيل.
من هنا جاءت فكرة مؤتمر أوسلو التي تتعلق أساساً بالتحريض لفرض المزيد من العقوبات السياسية والاقتصادية على ايران. ومن هنا جاء ايضاً الرفض الروسي الصيني الصريح للمؤتمر والرفض الاوروبي الخجول له من الدول المؤثرة فيها عالمياً.
الرفض الأوروبي تحديداً هو الذي دفع ادارة ترامب لإخراج اسم ايران من عنوان المؤتمر واضافة ملفات تجميلية له مثل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والحرب في اليمن، لكن حقيقة المؤتمر تبقى أنه مؤتمر لتنسيق العقوبات على ايران وتعظيمها وإيجاد منبر علني للإسرائيليين لتنسيق المواقف مع دول عربية.
لا توجد ادارة أميركية اكثر وضوحاً للعرب من هذه الادارة.
نعلم أن هذه الادارة تتآمر على القضية الفلسطينية مع إسرائيل. ونعلم أن هذه الادارة لا تريد من دول الخليج أكثر من مالها. ونعلم أن هذه الادارة راغبة وعازمة على الانسحاب من الشرق الاوسط. ونعلم أنها لن تواجه ايران عسكرياً وأكثر ما تريده هو تشديد العقوبات الاقتصادية على ايران، ليس من أجل سواد عيون العرب ولكن من أجل اسرائيل.
لكننا نعلم في المقابل، أن هذه العقوبات سيف ذو حدين: هي بلا شك تؤذي الايرانيين لكنها في نفس الوقت لم تجلب سلاماً لاحد لأن ايران امتد نفوذها في العالم العربي خلال العقوبات الاقتصادية عليها وليس قبلها.
ونعلم ايضا، مثلما يعلم الأوروبيون والروس والصينيون، أن اعادة فرض العقوبات يعني اعطاء ايران مبرراً لاستعادة برنامجها النووي، ومن هنا عمل الاوروبيون على ايجاد آلية مالية تسمح لهم بالتجارة مع ايران وتجاوز العقوبات الاميركية، وهي آلية ستدخل حيز التنفيذ الشهر القادم.
لا اعتقد بأن دول الخليج العربي ساذجة.
هذه الدول لها اكثر من لوبي ضاغط في الولايات المتحدة لرعاية مصالحها، أو لنقل، لدفع الادارات الأميركية لاعتماد سياسات تريدها هذه الدول.
وهي ايضا تدرك آليات عمل المؤسسات الأميركية لذا حاول بعضها التأثير على نتائج الانتخابات الاميركية.
وهي تدرك بأن اسرائيل "حمل" ثقيل عليها لا يمكنها أن تجازف بحمله بلا مقابل سياسي يمكنها تسويقه لشعوبها خصوصاً وأن اسرائيل لا يمكنها أن تقدم لها أكثر مما تقدمه لها أميركا والدول الاوروبية.
البعض يقول إن عداء إسرائيل لإيران يجعل من مصلحة الطرفين التنسيق وتوثيق العلاقات بين الطرفين. لكن عملياً لا تستطيع اسرائيل أن تقدم اضافة نوعية لدول الخليج لا يمكن للأخيرة الحصول عليها من دول أخرى.
الشيء الوحيد الذي يمكن لإسرائيل تقديمة لدول الخليج هو اللوبي الخاص بها في الولايات المتحدة.
لكن هذا اللوبي يعمل اصلا ضد ايران والتطبيع مع إسرائيل لن يجعله يعمل أكثر.
اضف لذلك التساؤل التالي: هل من مصلحة دول الخليج قيام اللوبي الاسرائيلي بالتحريض على حرب ساحتها ستكون الخليج العربي؟
الجواب هو لا صريحة وبالتالي لا توجد اضافة نوعية يمكن لإسرائيل أن تقدمها لدول الخليج.
مؤتمر وارسو بالمحصلة مجرد زوبعة، مهرجان ستلقى فيه الخطابات، لكنه لن يضيف شيئاً للدول العربية التي تحضره.