هاني المصري - النجاح الإخباري - هاني المصري
أوصت اللجنة المركزية لحركة فتح الرئيس محمود عباس بتجميد قانون الضمان الاجتماعي، وهذه خطوة في الاتجاه الصحيح، وبتشكيل حكومة سياسية فصائلية تضم فصائل المنظمة وشخصيات مستقلة، وشكّلت لجنة من أعضائها للتشاور حول تشكيل الحكومة، مع أن المفترض تكليف شخص برئاسة الحكومة الذي يقوم بدوره بإجراء المشاورات لتشكيلها. ولم تتضمن توصيات "المركزية" أن يكون رئيس الحكومة من "فتح"، لأن الرئيس، صاحب القرار، لم يحسم أمره بعد، فهل سيكلف رامي الحمد الله على الرغم من الحملة الواسعة ضده، فضلًا عن إخفاقات حكومته التي لا تحصى ولا تعد، أم يكلف شخصية فتحاوية أم شخصية مستقلة؟
أشغلوا الناس بتشكيل الحكومة ورئيسها القادم، وبعد ذلك سيشغلونهم بالاستوزار، ولم يهتموا البتة بما ستفعله الحكومة، والبحث في أي حكومة نريد، وهل ستواصل الطريق الذي أوصلنا إلى الكوارث التي نعيشها، أم تكون حكومة وحدة وطنية وجزءًا من رزمة شاملة تتضمن رؤية جديدة تهدف إلى شق مسار جديد قادر على التخلص من اتفاق أوسلو والتزاماته، بدلًا من الاستمرار في التهديد اللفظي بإلغائه والتمسك به، وتطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي، أم تكون حكومة فتحاوية ضفاوية حتى لو طُعّمت ببعض الوزراء من القطاع وفصائل أخرى؟
الرئيس عباس صاحب القرار، فبيده كل السلطات والصلاحيات، والحكومة حكومته، خصوصًا بعد أن عدنا إلى النظام الرئاسي - بعد اغتيال الرئيس ياسر عرفات - الذي يملك فيه الرئيس صلاحيات واسعة خلافًا للنظام البرلماني أو المختلط.
إن غياب العمل المؤسسي، والفصل بين السلطات، وتعويم وتبهيت المؤسسات والفصائل، بما فيها حركة فتح، جعل كل شيء بيد الرئيس، وبالتالي هو المسؤول الأول عن كل ما يجري وما لا يجري. أما الحكومة فهي أداة تنفيذية، وأما رئيسها فهو موظف بدرجة "رئيس حكومة". ألا تذكرون ما حدث بعد إعلان الرئيس عباس في نهاية اجتماع المجلس الوطني أن صرف رواتب موظفي السلطة في غزة، لكنها لم تصرف، وحُمّلت المسؤولية للحكومة، وعقد وفد من "مركزية فتح" اجتماعًا مع الحكومة بمشاركة رئيسها ووزير المالية، وكان رد وزير المالية على اتهام الحكومة بعدم تنفيذ قرار الرئيس قوله "احضروا لنا من الرئيس قرارًا من ثلاثة كلمات: اصرفوا رواتب غزة".
يقال إن الهدف من وراء هذا كله إجراء الانتخابات والاحتكام إلى الشعب ومواجهة "صفقة القرن" والاحتلال ومخططاته.
إن من يريد انتخابات فعلًا لا يبدأ بحل المجلس التشريعي، لأن إجراء الانتخابات سيؤدي تلقائيًا إلى حله. وهنا لا ينفع الحديث التضليلي بأن حله يوفر فرصة تاريخية لإنهاء الانقسام عبر الاحتكام إلى الشعب. فمن يريد الانتخابات لا يدعُ إلى انتخابات تشريعية فقط، ولا يدعُ إلى حل حكومة الوفاق الوطني وتشكيل حكومة فتحاوية ضفاوية بغطاء مزعوم أنها تمثل منظمة التحرير، كونه يعرف سلفًا أن الجبهة الشعبية ستقاطع، وكذلك الجبهة الديقراطية، وربما المبادرة وفدا لن تشاركا فيها، ولا يتعامل مع الانتخابات كمسألة فنية وليست سياسية، بدليل تكليف حنا ناصر، رئيس لجنة الانتخابات، بالتشاور مع الفصائل، بما فيها "حماس"، بل من المفترض دعوة الإطار القيادي المؤقت للمنظمة، أو اجتماع قيادي يضم مختلف الألوان للاتفاق على توفير متطلبات إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحترم نتائجها، ووضعها في سياق الكفاح ضد "صفقة القرن" والاحتلال ومخططاته، بما يساهم في دحره وتحقيق السيادة والاستقلال للدولة الفلسطينية.
لقد تحولت السياسة الفلسطينية في هذه الأيام إلى سيرك، كما يظهر في ما سبق، وفي المبادرة التي أطلقها الرئيس عباس لحركة حماس للموافقة على تشكيل قائمة مشتركة من "فتح" و"حماس" وكل من يرغب من الفصائل لخوض الانتخابات التشريعية القادمة. فهذه المبادرة تتناقض مع شيطنة "حماس" واتهامها بأنها ضد المشروع الوطني وتدافع عن مشروع حزبي، وأنها لا تؤمن بالتعددية ولا بصندوق الانتخابات إلا لمرة واحدة. هل يعقل الجمع بين الموقفين: شيطنة "حماس" وإقصائها من الحكومة المنوي تشكيلها، ودعوتها لتشكيل قائمة مشتركة مع "فتح"!
لا الرئيس ولا "فتح" ولا "حماس" يريدون الانتخابات. أقول ذلك وأنا واثق منه إلى حد كبير، فالرئيس لا يريدها بدليل عدم الدعوة إلى انتخابات رئاسية، لأنه يدرك أن شعبيته تراجعت كثيرًا، لدرجة أن استطلاعات المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية خلال العامين الأخيرين تشير إلى ما نسبته 60-68% من المستطلعين تطالب الرئيس بالاستقالة.
أما "فتح" فتخشى الانتخابات لأنها ستفتح عليها باب المنافسات الفتحاوية، خصوصًا في ظل عزم مروان البرغوثي على الترشح للرئاسة، وبعد فصل محمد دحلان ومجموعته وتشكيلهم ما سموه "التيار الإصلاحي"، وهو سيأخذ نسبة من حصة "فتح"، خصوصًا في قطاع غزة، في أي انتخابات مقبلة.
وأما "حماس" فلا تريد الانتخابات، لأنها لا تضمن نتائجها أو حصولها على ما حصلت عليه في الانتخابات السابقة، خصوصًا بعد النموذج الانفرادي في الحكم الذي أقامته في القطاع، وبعد أن وصلت الأمور هناك إلى معادلة "وقود ورواتب ومشاريع إنسانية مقابل الهدوء وبقاء سلطة حماس"، أي أن الأولوية لحماس هي حماية سلطتها الانفرادية في القطاع.
وحتى إذا فازت "حماس" في الانتخابات المقبلة، فهي تعرف أنها لن تحصل على شيء لا تملكه الآن، فهي لن تتمكن من حكم السلطة في الضفة حتى لو وافق الرئيس و"فتح" على ذلك، فالاحتلال الذي صادر نتائج الانتخابات السابقة يقف بالمرصاد، ولن يمكنها من حكم السلطة في الضفة إلا إذا اعترفت بالشروط إياها، التي يعني الاعتراف بها أن "حماس" غيّرت نفسها تمامًا وليس جلدها فقط.
ما تقدم يشير بشكل أكيد بأن الانتخابات لن تجري على الأرجح بذريعة عدم موافقة الاحتلال على إجرائها في القدس المحتلة. وإذا جرت لن تكون انتخابات حرة ونزيهة وشاملة للضفة، بما فيها القدس، والقطاع، ولن يشارك فيها مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي.
الخلاصة أن الانقسام سيتواصل ويتعمق ويسير بسرعة نحو الانفصال بين الضفة والقطاع إذا شكّلت حكومة فتحاوية ضفاوية مع بعض الممثلين عن قطاع غزة وبعض الفصائل الصغيرة والشخصيات المستقلة، وأن الصراع بين السلطتين في الضفة والقطاع سيشتد.
في ضوء ما سبق، على كل الحريصين على وحدة القضية والأرض والشعب، وعلى مواجهة المخاطر والتحديات التي تواجه الفلسطينيين وتوظيف الفرص المتاحة، العمل من أجل بلورة تيار وطني عابر للتجمعات والفصائل والمستقلين والإيديولوجيات، ويهدف إلى إنقاذ القضية قبل فوات الأوان، وهذا يتطلب في البداية عدم المشاركة في عملية التضليل الجارية بأن الانتخابات الجاري الحديث عنها مدخل لإنهاء الانقسام. فأي انتخابات لن تكون حرة ونزيهة إذا لم تشرف عليها حكومة وحدة أو وفاق وطني، وأجهزة مهنية تنتمي للشعب والوطن ولا تكون منحازة لهذا الشخص أو ذاك، أو لـ"فتح" أو "حماس".
طريق إنهاء الانقسام واضح، وهو يقوم على أساس حل الرزمة الشاملة، وفيه الانتخابات تكون تتويجًا لوفاق وطني على البرنامج السياسي والشراكة الحقيقية التي تحفظ وتنمي التعددية الفلسطينية التي هي سر بقاء القضية الفلسطينية رغم المحن والأهوال التي تعرضت لها. ولمن يقول إن هذا صعب وغير متاح الآن شأنه مثل شأن الذي يقول "لنعطي مريض السرطان حبة أسبرين". فالفلسطينيون في مأزق شامل وبحاجة إلى حل شامل.