النجاح الإخباري - بقلم محمد نمر
منذ انتخابات المجلس التشريعي الأخيرة عام 2006 وما تلاها من شقاق وفرقة فلسطينية على كافة المستويات، لم تجمع وتتوافق القوى والفصائل الفلسطينية بقدر ما اتفقت على تشكيل حكومة الوفاق الوطني برئاسة الدكتور رامي الحمد، عقب اتفاق الشاطئ 2014، والجميع بارك وجودها بما فيهم حركة حماس التي تسيطر سيطرة كاملة على قطاع غزة.
واليوم بعد ما مرور ما يقارب أربع سنوات على عمل حكومة الوفاق، الحكومة في نهاية مشوارها عقب نية القيادة السياسية تشكيل حكومة جديدة، يدور الحديث أنها حكومة وحدة وطنية، ومبرر القيادة السياسية في ذلك أن حكومة الوفاق آتت ضمن مهام محددة، لإدارة مرحلة انتقالية والتحضير لانتخابات شاملة، إلا أن حركة حماس لم تلتزم بما تم التوافق عليه، وبات من الضروري اعادة تشكيل الحكومة الفلسطينية وفق منطلقات محددة ضمن معطيات المرحلة الجديدة.
لكن السؤال، هل نقول لحكومة الوفاق (شكرا) ونثمن دورك ؟ أم نقول لها كنت (كابوس) وخلصنا منك ؟ .
بداية يحسب لحكومة الوفاق الوطني الفلسطيني، وضع مصير الحكومة بيد الرئيس، وامتثالا لقرار القيادة السياسية، سواء كان عزم القيادة تشكيل حكومة وحدة وطنية بالتوافق مع الفصائل ، أو أي شكل كان للحكومة القادمة، ويحسب للدكتور رامي الحمد هذه المرونة في التعاطي مع القرار، والاعلان أن الحكومة تحت تصرف الرئيس.
وقبل الاجابة، هل كانت حكومة الوفاق اضافة ايجابية خلال المرحلة السابقة أم لا ؟، لنتفق على مبدأ، أنه من الضروري أن ننطلق في تقييم أي عمل حكومي أو مؤسساتي من منطلقات الانجازات والعمل البناء، ضمن المتاح والمعيقات، بعيدا عن الحزبية والفصائلية التي باتت تسيطر على كافة مناحي حياتنا، ولو بقينا ندور في فلك الحزبية والجهوية لن ننصف أي رئيس وزراء أو حكومة أو أي عمل مؤسساتي ايجابي، إن اختلف مع انتمائنا الحزبي وجهويتنا، ولن نذم أي سلبي يتوافق مع حزبيتنا وتوجهاتنا، وسنبقى رهائن الاعتراض المطلق دون تقييم منطقي.
لو نظرنا بشمولية لعمل حكومة الوفاق خلال الفترة السابقة، وحتى نكون أكثر دقة يجب تحديد مهام الحكومة وحدود مهامها، وبيئة عملها، وجغرافية تنفيذ مهامها، لا اطلاق الاحكام على علتها، فعمل الحكومة في الضفة الغربية وظروف العمل تختلف تماما عن عملها في قطاع غزة، لظروف موضوعية جميعنا يعرفها، وقد يكون مصطلح (التمكين) الذي ذاع انتشاره خلال الفترة السابقة مؤشرا واضحا ودال على اختلال بيئة عمل الحكومة في الضفة عن القطاع.
واعتقد لو تحدثنا مع أي شخص من سكان قطاع غزة حول عمل حكومة الوفاق، لتمني بصدق أن يحظى بنصف ما حققته الحكومة من انجازات في الضفة على صعيد البنية التحتية والتعليم ومشاريع الكهرباء والصحة، ودعم صمود المواطنين في مواجهة الاحتلال في مدن الضفة والقدس، وهذا قد يبدو سلبيا، لكنه فعلا يضيف للحكومة لا يسيء لها، وكان يمكن تقييم أداء الحكومة في هذه المهام من حيث الانجاز والتقصير لو كانت أخذت فرصتها في قطاع غزة كاملة، ثم يتم مراجعتها عن سبب عدم قيامها بنفس الانجازات التي قامت بها في الضفة .
وأهم ما يمكن أن نلمسه في عمل الحكومة بصدق حجم الديمقراطية التي حظيت بها النقابات والمؤسسات من خلال الحراك الكبير الذي صاحب اقرار قوانين جديدة من قبل الحكومة كقانون الضمان الاجتماعي وقانون الاخطاء الطبية وغيرها، بغض النظر عن شكل الحراك وآلياته، أو حتى فيما يخص الانتخابات المحلية والبلديات، واعتقد أن المواطنين والمؤسسات في قطاع غزة تمنوا هذا الحراك وهذه الديمقراطية بسبب غياب أي شكل من اشكالها وتعطلها تماما في قطاع غزة، والذي مازال يخضع لسيطرة حماس حتى مع تشكيل حكومة الوفاق .
وكنت أتمنى لو تم تمكين حكومة الوفاق في القطاع، وطبقت الخطط والمشاريع التي تحدث عنها رئيس الحكومة والوزراء، وتم اتاحة الفرصة كاملة من قبل حركة حماس للنشاط والهمة الكبيرة التي رافق قدوم الحكومة للقطاع قبل تفجير موكب رئيس الوزراء ومحاولة الاغتيال، والتي عطلت معظم هذه العمل المنتظر.
وبمتابعة عمل الحكومة خلال الفترة السابقة، ومن خلال الأرقام والاحصائيات المنشورة، وبالتزامن مع التحديات التي فرضت من قبل أمريكا واسرائيل خاصة فيما يتعلق بحجز الأموال وهو سنام عمل أي حكومة بشكل عام، والانجازات المعلنة، والمحافظة على مؤسسات الدولة، وسيادة القانون، وعملها في قطاع غزة بما هو متاح، وتواجدها في المحافل الدولية بشكل فعال، والبعد عن شبهات الفساد المالي والأخلاقي، وقربها من العمل المؤسساتي وتنفيذ المشاريع بعيدا عن سياسة الصراعات الجانبية التي سادت خلال فترات سابقة، والتزامها بسيادة الدولة، وقرارات القيادة السياسية في هذه المرحلة، تكون الحكومة أقرب إلى (شكرا) منها إلى (كابوس).
وأخيرا.. إن كنا سنقيم أي حكومة من خلال ميزان قطاع غزة، وبوجود شبه حكومة موازية ونافذة لحماس على الأرض تتفوق في القرار والسلطة، ودون انهاء الانقسام تماما، لن نقول (شكرا) حتى لو كان أفلاطون فيلسوف المثالية الأول رئيس هذه الحكومة .