يحيى رباح - النجاح الإخباري - مبادرة السلام العربية التي تم إعلانها في قمة بيروت العام 2002، أصبحت من وثائق عملية السلام في الشرق الأوسط بين العرب وإسرائيل، بل إن هذه المبادرة العربية التي ردت عليها إسرائيل منذ لحظة إعلانها بالرفض الشديد، واجتياح الضفة الغربية، كشفت بشكل عنيف طبيعة إسرائيل الاستعمارية الاحتلالية، وأنها ليست مؤهلة للسلام ولو بحد أدنى، والأدلة على ذلك تتراكم كل يوم، فهي لم تلتزم بالاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين، وهي تقول ببساطة وعدوانية شديدة "أن الجولان لازم لنا" وهذا القول يفضح بشكل غير مسبوق طبيعتها العنصرية، وعمق الارتكاز إلى منطق العدوان بأبشع صورة.
هذه الأيام، ومنذ صعود ترمب إلى البيت الأبيض، وجه نتنياهو من يعزف على أوتاره بالكامل، وخاصة في موضوع التعامل مع الدول العربية بقدر كبير من الاستخفاف، والتراجع عن الثوابت، والقفز من فوق الأساسيات، وهو التطبيع، واستسهال التطبيع كأنه رياضة عادية، ترامب من ناحيته يريد من العرب أن يكونوا في حلف واحد مع إسرائيل ضد أعداء هو يحددهم، وبنيامين نتنياهو من جهته، يبشر بالتطبيع، ويفضح بإعلانات ظاهرة أنه تقدم مع كثير من الدول العربية في موضوع التطبيع، وأن كثيرا من القادة العرب قبلوا بالمعادلة المقلوبة، التطبيع أولا، أي الاعتراف بإسرائيل، وفتح علاقات علنية وسرية معها، علاقات دبلوماسية، وعلاقات تحالفية، مرة تحت اسم الأمن، ومرة تحت اسم مقاومة الإرهاب، ومرة تحت اسم العلاقات الرياضية والثقافية والاقتصادية، التلميحات كثيرة، والإشارات كثيرة، ولا أحد من الذين تستهدفهم هذه الإشاعات ينفي ولا أحد يرد.
لو يحتاج الأمر إلى التعمق في فلسفات عميقة للقول ان هذه الإشاعات والتسريبات من قبل نتنياهو كتلك التي أطلقها بعد قراره بأنه سيزور تشاد، حين اعترف بأن لقاءات وزيارات كثيرة تمت مع دول عربية ومع شخصيات سياسية عربية قد جرت بالفعل، فإذا كان هذا ما اعترف به نتنياهو، فكيف بالذي أخفاه ولم يحن وقت الاعتراف به.
بالإضافة الى أن الدول العربية قامت في الأساس بإعلان عن بعض الأسرار، فالنشيد الوطني الإسرائيلي أصبح يعزف بكثرة في عواصمنا لمبررات واهية، مبررات رياضية وفنية وثقافية.....إلخ.
لا بد من وقفة، لا بد من صدمة، فالكل يعرف أن التطبيع المجاني، خارج معادلة المبادرة العربية، هو خيانة بلا ثمن، وهو إضرار متعمد بأصحاب الحقوق، وهو إهانة كبرى للهوية، واعتداء صارخ ضد العقيدة، واستهتار فاضح بميراثنا من النضال والشهداء والأسرى والخسائر الهائلة، والآلام العظيمة، يا من أدمنتم الرقص على موسيقى النشيد الإسرائيلي، انتبهوا، لا يحق لكم ذلك، ولستم مؤهلين لذلك، وثقيل عليكم الثمن، انتبهوا فإن الخيانة الكبرى ليست وجهة نظر، ولا دعاية مضحكة، الخيانة الكبرى ضحيتها حقوق، وميراث، ومقدسات، ودماء شهداء، فلا تدمنوا الاستهتار.
Yhya_rabapress@yahoo.com