الدكتور مروان المعشر - النجاح الإخباري - بمناسبة الأعياد المجيدة، أتقدم بالتهنئة لكافة الأردنيين والأردنيات، مسيحيين ومسلمين، على هذه الأرض التي تضمنا معا، والتي نسقيها جميعا بدمائنا وبتراب من سبقونا حتى يبقى الأردن مستقرا، مزدهرا ومنيعا، يحتوي كافة أبنائه وبناته ويحتفي بهم.
ولعل من المفيد في هذه المناسبة استرجاع تاريخ العرب المسيحيين في هذه المنطقة، تصحيحا للمعلومات المغلوطة للعديد من الغربيين الذين يعتقدون ان المسيحية أتت الى الشرق مع الصليبيين، أو للبعض من أبناء هذا الوطن الذين ليست لديهم المعلومات الصحيحة عن تاريخ العرب المسيحيين في الشرق.
اذكر عندما كنت سفيرا في واشنطن ألقيت محاضرة في إحدى الكنائس، فسألني أحدهم متى تم اعتناقي للمسيحية وكيف اثر ذلك على حياتي، فأجبته بكل هدوء أنه يجب علي أن أسأله هو هذا السؤال، فمسيحيتي هي الأصيلة بينما جاءت مسيحيته في وقت متأخر.
طبقا لدراسات عدة، كان عدد سكان بلاد الهلال الخصيب (سوريا والأردن وفلسطين ولبنان والعراق حاليا) عشية الفتوحات العربية ثلاثة عشر مليون نسمة تدين الأغلبية الساحقة منهم بالمسيحية، سوى ما يقدر بمائة وثلاثين ألفا كانت تدين باليهودية. ولم يرحل عدد كبير من العرب المسلمين من الجزيرة التي كان عدد سكانها حينذاك مليون نسمة الى الهلال الخصيب، كما لم يجبر العرب المسلمين سكان هذه البلاد على تغيير دينهم وفقا لقول الله تعالى ان لا إكراه في الدين، بل اكتفت بطلب الجزية منهم.
وتقدر الأرقام التي استندت جزئيا إلى من كان يدفع الجزية انه بعد قرن من الفتوحات الإسلامية، كان ستة بالمائة، أو مائتين وخمسين ألفا فقط تدين بالإسلام في بلاد الشام، بينما بقيت الأغلبية على دينها المسيحي. وبقيت في بلاد الشام أغلبية مسيحية حتى اخر القرن الثالث الهجري. وكان عدد المسلمين والمسيحيين متساويا تقريبا عشية الحروب الصليبية، أي بعد خمسة قرون على مجيء الإسلام.
ماذا يعني ذلك؟ أمرين. الأول أن العرب المسيحيين أهل هذه الأرض، كانوا فيها على الأقل منذ ان اعتنقوا المسيحية مبكرا بعد مجيء المسيح، بل إن أول هجرة مسيحية تمت من القدس عندما احتلها الرومان سنة ٧٠ ميلادية تمت إلى طبقة فحل في الأردن. اما الأمر الآخر فهو ان غالبية العرب المسلمين في بلاد الهلال الخصيب كانوا من اتباع الدين المسيحي، ثم اعتنقوا الإسلام تدريجيا، ما يعني أن أصولنا واحدة، وأن دماءنا واحدة، وتكويننا الجيني واحد، فلا عجب إن كانت غيرتنا على هذه الأرض وهذا البلد واحدة أيضا.
عندما أتت الحملات الصليبية الى بلاد الشام، اعتبرت أن العرب المسيحيين هراطقة لمجرد انهم يتبعون لمذاهب مسيحية شرقية تختلف عن المذاهب الغربية، فاضطهدوا العرب المسيحيين أيضا، وحين احتلوا القدس العام ١٠٩٩ قتلوا معظم من فيها من مسلمين ومسيحيين ويهود. ويعلمنا التاريخ ان العرب المسيحيين وقفوا مع إخوانهم المسلمين وليس مع الصليبيين المحتلين، الذين وجدوا ان مسيحيي المنطقة عربا ثقافة ولغة، ما دحض مزاعمهم انهم أتوا للمنطقة لتخليص المسيحيين من المسلمين فوجدوا ان الاثنين أهل واحد.
لقد وعى الأردن منذ نشأته أن تناقص أعداد المسيحيين لا يعني الانتقاص من مواطنتهم. لذا، نعيش اليوم في ظل دستور يضمن التساوي في المواطنة بغض النظر عن الدين، والأهم أننا نعيش أيضا في ظل ثقافة ولغة واحدة، يجمعنا حب الوطن ووحدة المصير والهدف، وهوما يستحق أن نحافظ عليه ونقف جميعا، مسلمين ومسيحيين، ضد من يحاول الإضرار بذلك من الجهتين.
نحيا بالتعددية، ونضر بعضنا والوطن إن أضررنا بها.
... عن «الغد» الأردنية