م. سميح طبيلة - النجاح الإخباري -
إن أحد أكبر المشكلات العالمية المعاصرة في معظم دول العالم ، هي الأزمات والإكتظاظات المرورية في المدن الرئيسية، والناتجة في معظم الأحيان عن عدم تناسق النمو السكاني، والاحتياج لزيادة أعداد المركبات ، مع تطوير المرافق والبنى التحتية، مما يسبب زيادة الضغط والاستخدام على الشوارع القائمة، والتي لا تقبل زيادة عرضها، بسبب المباني القائمة وعوائق أخرى، لذا تلجأ جهات الإختصاص المُنظِّمة كالوزارات والبلديات إلى الحلول الإستراتيجية المبنية على دراسات مهنية عميقة، ووضع حلول تتناسب مع الموقع وكذلك مع الثقافة المرورية السائدة والإمكانات المالية المتاحة.
وعندما يكون مجال بحثنا مدينة نابلس فهي تعاني من اكتظاظات مرورية ملحوظة، تتركز في شارع فيصل ومركز المدينة بأوقات الذروة، وشارع رفيديا مساءً، حيث تم تجربة العديد من الخطط المرورية من قبل المجالس البلدية السابقة، وصولاً للمجلس البلدي الحالي، حيث إمتازت كل خطة مرورية بحل جزئي للمشكلة، بينما لا زالت المشكلة الأساسية قائمة وتتفاقم وقد تصل      إلى مرحلة الأزمة المرورية مع ازدياد النمو السكاني وزيادة عدد المركبات. 
وفي الآونة الأخيرة، رخَّص مجلس بلدي نابلس وهو نفسه الهيئة المحلية للتنظيم والبناء مشروعاً سُمي ( نفق المشاة – سوق تجاري اصلاً وملحق به عبّارة للمشاة)، بموافقة 6 أعضاء ، فقط علماً بأني سجلت  مسبقاً موقفي المعارض وشرحت للمجلس أسباب معارضتي لإقامة هذا المشروع، وقد شاركني المعارضة 5 أعضاء من المجلس، وقد وضحت سابقاً للرئيس والأعضاء ومن خلال مذكرة داخلية مخالفة ترخيص المشروع للقوانين والأنظمة ولكن وللأسف أعلن لاحقاً سعادة رئيس البلدية ومن خلال   راديو حياة بأنه سيتم طرح عطاء التنفيذ قريباً متجاهلاً معارضة نصف المجلس وتعارض المشروع للقوانين والأنظمة.
وبناءً عليه وجدت لزاماً علي أن أوضح وجهة نظري للمواطنين والمهنيين والمهتمين الذين منحوني الثقة للوصول إلى المجلس البلدي لاطلاعهم على حقائق الأمور وأثر المشروع المدمر لمركز المدينة في مجالي المرور والتخطيط الحضري. 
              
ويقوم هذا المشروع، على إقامة نفق للمشاة من أمام المستشفى الوطني تحت شارع فيصل وسوق تجاري تحت الشارعين الواصل ما بين المستشفى الوطني والمسجد المقام أمام "المول" وذلك بجرف الشارعين والجزيرة الخضراء           وما بينهما، وبناء 50 دكان تجاري تحت الشارعين وإبقاء مكان الجزيرة الخضراء ساحة سفلية أمام الدكاكين، وتتخلص أسباب معارضتي بما يلي:-
أولا:- (الأثر المروري)
أ‌.    إن المشكلة المرورية أمام المستشفى الوطني هي مشكلة تدفق سيارات وليس مشكلة تدفق مشاة .
ب‌.    كان لبناء مجمع البلدية التجاري ( المول) وإستحداث العدد الكبير               من المحلات التجارية والمكاتب التي وفرها المول المذكور وكذلك إستخدام الطوابق السفلية كمحطات لنقل السيرفيس التي تعتبر عناصر جاذبة للمرور أثراً سلبياً على حركة المرور في مركز المدينة فأضحى مركز المدينة لا يحتمل إضافة عناصر أخرى جاذبة للمرور بل على العكس أصبح من الضروري جداً نقل السيرفيس إلى خارج مركز المدينة لتخفيف الأزمة، وإن إضافة سوق تجاري جديد مكون من 50 دكان سيضاعف الأزمة المرورية.
ت. لم يوفر المشروع مواقف سيارات لمستخدمي المشروع ولم يجد حلاً لتحميل وتنزيل البضاعة للمحلات التجارية دون إعاقة للمرور. 
ث. لا يوجد خطة واقعية وعملية لتسيير المرور أثناء فترة تنفيذ المشروع والتي تكاد تكون مستحيلة، لأن الجميع يعلم عدم توفر شوارع بديلة تستوعب هذا الحجم المروري خاصة أن شوارع المدينة الموازية هي قليلة العرض ولا تحتمل أي إضافات في حركة المرور.
ثانياً:- ( الأثر الجمالي والتخطيط الحضري)
إن معظم المدن والقرى يتركز التخطيط الحضري حول الساحة الرئيسية للمدنية أو القرية وهذه الساحة عادة تشكل هوية وطابع للمدنية أو القرية، وبها تجري الإحتفالات الشعبية للمناسبات الدينية والوطنية، وخير دليل على ذلك ما أنجزه أجدادنا بإيجاد ( باب الساحة) كساحة رئيسية للبلدة القديمة، والتي لا تزال فعالة وحيوية وهي الرئة التي يتنفس بها سكان البلدة القديمة ، وإن اقتطاع وتخصيص ثلث مساحة هذه  الساحة الطويلة ما بين دوار الشهداء والمستشفى الوطني وتخصيصها لمشروع سوق تجاري وإزالة  الجزيرة الخضراء القائمة التي تم تطويرها منذ عامين فقط وإزالة أشجار كبيرة تم زراعتها منذ سنوات، هو أمر غير مهني لا يمت للتخطيط الحضري بصلة، ويشكل عائقاً كبيراً أمام المشاريع الإستراتيجية المستقبلية والتي سنحتاجها حتماً بحل أزمات المرور الحقيقية للمركبات، إذا أن تنفيذ مشروع نفق المشاة والسوق التجاري المستحدث أمر لا يمكن إلغاؤه مستقبلاً إذا ما تم إنجازه بسبب المنتفعين من الدكاكين.
ثالثاً:- ( الأثر المالي)
مما لا شك فيه فإن هذا المشروع سيدر مبالغ على الموارد المالية للبلدية (خلوات وإيجارات) ولكن أوكد بأن مركز مدينة نابلس ليس للبيع، ولا أرى من الحكمة التنازل عن شبر من هذه المساحة لصالح الإستثمار العقاري والبلدية يمكنها الإستثمار بمواقع أخرى كثيرة لرفع وارداتها المالية.
رابعاً:- (ثقافة المرور)
الجميع يعلم بأن المواطن الفلسطيني وتحديداً النابلسي تَــــعَـــــوَّد أن يقطع الشوارع في نفس المنسوب، وهو لا يرغب استخدام جسور معلقة، أو أنفاق للمشاة لقطع الشارع، ولنا في جسور المشاة وأنفاق المشاة التي نفذت ولم يستخدمها المواطنين خير مثال، كان آخرها ما تم تنفيذه في بلدة حوارة ،(جسر المشاة) وأنفاق المشاة في عّمان التي تم إلغائها بسبب تحويلها إلى أماكن موبوءة جنائياً وأخلاقياً.
خامساً:- (البعد القانوني)
للأسف غاب عن زملائي أعضاء المجلس الذين وافقوا على الترخيص، ضرورة إحترامهم لقوانين الترخيص والمتطلبات التي تطبقها على المواطنين لتكون البلدية قدوة بالإلتزام بها ، والتي تتمثل بما يلي:- 
1.    عدم أخذ موافقة وزارة السياحة والآثار علماً بأن الموقع مجاور لأراضي بها آثار   ولم تحصل هذه الأراضي على موافقة البناء عليها  منذ عدة عقود رغم إلحاح أصحابها.
2.    إن صلاحيات الترخيص (للمباني والمرافق العامة) هي صلاحيات اللجنة اللوائية للتنظيم والبناء وليس للجنة المحلية للتنظيم والبناء (المجلس البلدي). 
3.    إن مساحة الأرض المنوي إقامة المشروع عليها هي مستملكة منذ فترة   قديمة جداً لأغراضها الحالية بموجب المخطط الهيكلي المعتمد في حينه، واستناداً إلى القانون، فإن إقامة سوق تجاري قد غير وجهة استعمال قطعة الأرض التي جرى استملاك الأرض على أساسها باستعمالها منفعه  عامة (شوارع وساحات عامة)، قد يعرض البلدية إلى دفع تعويضات مالية هائلة لأصحاب الأرض الأصليين قد تفوق جدوى مشروع السوق التجاري.
4.    عدم أخذ موافقة المجلس الأعلى للمرور ووزارة النقل والمواصلات على الخطط  المرورية في الشوارع الرئيسية وهي الجهة ذات الإختصاص بموجب القانون.  
5.    لم يتم  توفير موقف سيارة لكل دكان تنفيذاً لنظام مواقف السيارات الذي تطبقه البلدية على المواطنين.
الجميع يعلم بأن طبيعة مدينة نابلس الجغرافية والتي تقع بين جبلي عيبال وجرزيم فتح عنها شوارع ضيقة لا تحتمل الزيادة في عرضها بسبب المباني القائمة وشح مواقف السيارات فيها، وكذلك فإن مشروع الطريق  الدائري (Road (Ring الذي يمر حول أحياء نابلس قد تعطل إستكماله بسبب إعتداءات بعض المواطنين على الشارع في المنطقة الجنوبية وممانعة الإحتلال إستكماله في المنطقة الشمالية فأصبح شارع فيصل هو العصب الرئيسي لحركة المركبات بين الأحياء الشرقية والغربية، وكذلك تحمل عبئ لحركة المركبات العابرة إلى المدن والقرى المجاورة شرقاً وغرباً، وبناءً عليه لم يكن المشروع جزءاً من خطة شاملة للمرور                                (من الخطأ إنجاز جزء قبل معرفة الكل)، لكي لا يصبح الجزء عائقاً للخطة الشاملة. 
إن الإحتقان المروري الحاصل في شوارع نابلس يتطلب حلولاً هندسية جوهرية شاملة، ووضع خارطة طريق من قبل خبراء دوليين ومحليين وإقرارها وترخيصها حسب الأصول لكي تكون مرجعية ثابتة وملزمة للمجلس البلدي الحالي والمجالس القادمة، لإنجاز أجزاء منها حسب ما هو متاح.
آمل أن أكون قد وفقت ببيان موقفي المهني  وأن يتفهم زملائي أعضاء المجلس البلدي وزملائي المهندسين، والأخوات والأخوة المواطنين وجهة نظري.

المهندس سميح طبيلة

عضو مجلس بلدي نابلس