عيسى قراقع - النجاح الإخباري - نائب في المجلس التشريعي ،
رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين سابقا
خلال زيارتي للأسير المحرر محمود عبد العزيز ابراهيم عياد ( 25 ) سنة في مخيم الدهيشة , روى لي أنه بتاريخ 16/12/2015 أصيب برصاص جنود الاحتلال في قدمه اليسرى خلال مداهمات الجنود المتكررة للمخيم , ولان الرصاص الذي يطلق على شبان المخيم من نوع متفجر , فقد تمزقت قدمه التي تم بترها في نفس اليوم. لم تصمد قدمه بعد ان تناثر اللحم والعظم والدم في الشارع وتمزقت الشرايين فوق الحصى والتراب .
وكالة غوث اللاجئين في إحصائياتها السنوية سجلت أن مخيم الدهيشة تعرض عام 2017 لأكبر عدد من الاصابات بالرصاص الحي على يد جنود الاحتلال , وتعرض لأكبر حملة اعتقالات في صفوف الكبار والصغار , وهذه الأرقام تتحدث عن 115 إصابة بالرصاص , سقوط شهيدين , اعتقال 73 مواطنا , و52 مداهمة للجنود .
منذ عام 2013 الأرقام تتصاعد وتتضخم مما يشير الى سياسة منهجية متعمدة دفعت المراقبون الحقوقيون الى الاعلان ان مخيم الدهيشة تحول الى مركز تدريب ميداني لجنود الاحتلال الاسرائيلي مما تسبب في أكبر نسبة في عمليات القتل والاصابات والاعتقالات في صفوف الشبان .
المؤسسات والشخصيات الحقوقية والإنسانية تداعت وعقدت اجتماعات في مركز ابداع في المخيم , واتفقت على اطلاق حملة قانونية اعلامية لفضح الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها سلطات الاحتلال بحق اهالي المخيم , ولاجل وضع رؤية قانونية في ملاحقة دولة الاحتلال ومحاسبتها في القضاء الدولي .
ما بين الاجتماع والاجتماع , وما بين الصرخة والصرخة , ما بين الجنازة والجنازة , تستمر الاقتحامات والاصابات وسقوط الشهداء , الجريمة تتوسع اكبر في ظل الهجمة الاسرائيلية , ولا زلنا نحن الفلسطينيين نبحث عن اقدامنا الضائعة , وعن ليل بلا موت في مرحلة غامضة لم تضع بين البداية والنهاية اية فاصلة واضحة .
في مخيم الدهيشة أخذوا قدمه وهربوا زاحفين , وتحت وابل الرصاص وقنابل الغاز والدخان الاسود , قتلوا وأصابوا وبتروا وحرقوا وداهموا واعتقلوا ولكنهم خرجوا زاحفين .
القدم اليسرى للمصاب محمود عياد قطعت لينضم الى 80 شابا أصيبوا بأقدامهم وتحولوا الى معاقين , ولا زالت غرفة العمليات في مركز عتصيون العسكري ترصد أهالي المخيم , وتضع بنكا للأهداف وللمأساة الفاجعة بين المكان والجسد , أرض المخيم ارض مجبولة بالجريمة , يذبحون الناس حين يعجزون عن ذبح الأغنية والذاكرة .
في الضوء على أرض المخيم , بقايا لحم بشري كحروف النداء تشع فوق أجساد واقفة , ومحمود لم يودع أحدا , لم يكترث لظله الناقص , ربما يمشي أمامه , فهواء المخيم تحركه ظلال راجفة , وفي المخيم يمارس حريته في الصراخ وفي الانفجار وفي العاصفة .
يرتعش محمود , ينتفض , أفي مثل هذا الفجر يموت الناس ؟ لا نعرف ان كنا نسكن في مخيم أم في تابوت , الناس دائما منتبهين للآخرة , ما أطول الليل في المخيم , رائحة الجنود كرائحة الموت , جدران البيوت مليئة باللوحات والمسامير , علقوا يومياتهم وذكرياتهم ولم يغلقوا الأبواب , أسرّتهم فارغة , يخرج الأولاد ولا يعودون , القناصون جاهزون , لا وقت في المخيم للنوم والنسيان .
في مخيم الدهيشة أخذوا قدمه وهربوا زاحفين , فالمخيم لا زال يشكل كابوسا لدولة الاحتلال , فمن داخله تنطلق كل الشرارات والحرائق والأسئلة , ومن أعماقه ذكريات لم تمت , تجددت وحملتها أجيال متعاقبة , صار المخيم وجه طفل يولد , ملامح صبي شب على الرصيف , يضع أصابعه في كل مكان , يترجم غزة الى أكبر عدد ممكن من الطائرات الورقية المشتعلة.. يبني عرسا من المطر .