فهمي شراب - النجاح الإخباري - في ظل الحديث عن غياب إستراتيجية غربية وتحديداً للإدارات الأمريكية تجاه بعض أزمات (الشرق الأوسط) المحيط الإقليمي العربي والإسلامي، أو فشل السياسة الأمريكية في بعض الملفات، فان من يعرف أولويات وطبيعة الاقتصاد الأمريكي يدرك تماما، أن السياسة الخارجية الأمريكية ترتبط بمنظومتها الاقتصادية منذ الاقتصادي الشهير آدم سميث وواضع نظرية دعه يعمل دعه يمر، حتى الوصول لفترة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
فان السياسة الخارجية الأمريكية مبنية على ضمان فتح مجالات التصدير، وقد قامت حروب في المنطقة سابقاً بسبب إغلاق بعض الدول ممراتها أمام الملاحة الأمريكية أو الغربية أو الإسرائيلية، والحقيقة أن الاقتصاد الأمريكي قائم على تصدير السلاح، فإذا كان في العالم 100 شركة تنتج السلاح، فان 38 شركة منها موجودة في أمريكا وحدها.
وكما فعل الكيان الصهيوني بتهريبه الأسلحة إلى رواندا بإفريقيا والتي شهدت إحدى اكبر المجازر الجماعية في التاريخ، فان الولايات المتحدة دعمت غالبية الأحزاب والفصائل المعارضة في إفريقيا ضد أنظمتها السياسية التي جاءت بانتخابات نزيهة، مما خلق صراعات شبه دائمة، تطلبت احتياج تلك الفصائل والأنظمة للسلاح وتنفيذا للأجندة الاقتصادية والسياسية الأمريكية، ودعمت أنظمة دكتاتورية قمعية متساوقة مع سياسة الإدارة الأمريكية، في مشهد يكشف زيف ونفاق الغرب نحو مفاهيم الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان والمساواة والعدل والسلام العالمي، والتي يرفعون يافطاتها ليل نهار. ويضربون بها عرض الحائط إذا تعارضت مع مصالحهم.
ومن ناحية عقدية، فان الجيوش الغربية ومنها الأمريكية تقوم على قناعة يطبقها صناع القرار بان التدخل في بعض الدول العربية والإسلامية واستئصال شأفة قوتها أو تقليص نفوذها أو حتى تدميرها يصب في صالح الكيان الصهيوني، حيث بات يؤمن غالبية عظمى من الشعب الأمريكي والغربي بعصمة التوراة،وان المسيح منقذاً، وان حكم المسيح على الأرض لألف سنة ستسبقه استعادة اليهود لفلسطين. وان دعم إسرائيل من رضا الله، وان إقامة دولة "الكيان الصهيوني" هو أعظم انجاز في التاريخ، فمنذ عقود باتت الصهيونية المسيحية كقناعة لدى المسيحيين. فالحرب على العراق كان محركها شركات السلاح الامريكية الواقعة اغلبها تحت التأثير الصهيوني ورغبة لدى والكيان الصهيوني ككل، والذي تحقق له مصلحة عليا فاقت المصلحة الأمريكية، وذلك بالتخلص من كبرى القوى العربية الإسلامية في المنطقة والتي كانت كابوسا لدى غالبية الشعب اليهودي. وأيضا ترى كثير من الدول أن الدول الإسلامية تمثل خطراً على أمنهم القومي، وأنها تسعى لاستعادة أمجاد الخلافة التي لا تؤمن بالحدود. فالغرب ومن خلال صقور اليمين لا يزال في حالة تذكير بما آلت إليه الحروب بين المسلمين والصليبيين، وما زلة لسان بوش الابن عندما قال ( إنها حرب صليبية على الإرهاب) إلا تأكيد لذلك، فهو يقصد بالإرهاب الدول العربية الإسلامية.
وتعتبر الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والكيان الصهيوني من أكثر الدول تصديرا للسلاح، وتأتي الولايات المتحدة كأكبر دولة في الإنتاج والبيع، وهى أكثر الدول المتورطة في تهريب الأسلحة إلى مناطق الصراع وبؤر التوتر في العالم.. وتستعمل قدراتها المعلوماتية والأمنية التي تتبع النظام السياسي، بل وتوظف الدول الغربية أجهزة مخابراتها والتي تعمل لحساب شركات تصنيع السلاح في بلدانها من أجل تأجيج الصراعات وإشعال الحروب، وتقوم بهذا الدور القذر لتحقيق أكبر مكاسب مالية من تجارة السلاح وتهريبه. وكلما زادت الحروب زاد الربح وراجت تجارة السلاح، وكلما قلت الحروب والصراعات وبؤر التوتر كلما تأثرت سلبا هذه التجارة وخسرت.
وفي منطقتنا الإسلامية العربية، فقد كانت الولايات المتحدة من أوعزت للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بأن يحتل دولة الكويت، وذلك عن طريق السفيرة الأمريكية في العراق آنذاك.. بعد أن استدرجته سابقاً في حرب مع إيران استمرت 8 سنوات أهلكت الحرث والنسل، واستنفدت قدرات العراق وإيران معاً، فكانت الولايات المتحدة الأمريكية هي المستفيدة الوحيدة حيث مدت أطراف الصراع بالسلاح في نفس الوقت. وقد سجل التاريخ ما عرف بفضيحة "إيران جيت" أو "إيران كونترا" نسبة إلى الصفقة السرية بين إيران والولايات المتحدة، حيث باعت الأخيرة أسلحة لإيران بواسطة الكيان الصهيوني، على الرغم من حظر بيع الأسلحة لإيران ووضعها على قائمة الأعداء وتصنيفها كــراعية للإرهاب !!
وليس غريبا أن لا يتم إيجاد حلاً غربياً وأمريكياً للازمة السورية، فإطالة أمد الصراعات الداخلية هي مصلحة غربية أمريكية، توفر فرصة ذهبية لمد جميع الأطراف بالسلاح..
ولمعرفة كيف تتم عمليات دعم شركات السلاح وخاصة الأمريكية، وذلك عبر أجساد وهيئات مؤسساتية هامة و مؤثرة في صناعة القرار، سنقدم عينة أو نموذج من تلك المؤسسات التي لها اكبر تأثير ومنها:
(1) مجموعة الأزمات الدولية:
وهي مجموعة دولية غير حكومية تهدف في ظاهرها إلى حل الأزمات بينما ترسم طريقا للصراعات والاستفادة منها، وتضم في غالبية أعضائها رجال امن سابقين.
(2) مجلس العلاقات الخارجية (الأمريكي):
وهو مجلس غير حكومي يهدف لدراسة وتحليل السياسات الخارجية للولايات الأمريكية، ويضم صفوة المجتمع (أغنى 1500 شخصية أمريكية) ويضم اكبر الصحفيين والإعلاميين والمشرعين القانونيين وكبار السياسة، والمستشارين ورؤساء سابقين.
(3) شاثام هاوس (البريطاني):
وهو المعهد الملكي للشئون الدولية ببريطانيا، ويعتبر الفرع الانجليزي لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، ويعتبر المتدخل الرئيسي في كل النزاعات.
(4) معهد بروكينجز :
وهو معهد للدراسات السياسية والإستراتيجية، وفيه يتم تقديم سيناريوهات للازمات الهامة، وعرف انه قد حلول تفصيلية لكثير من الأزمات التي تم تطبيقها حسب ما جاء في هذه الدراسات.
ويتم تمويل مثل هذه المراكز من خلال تبرعات تقدمها عديد من الشركات أبرزها؛ شركات الطيران، بنوك (البنك الدولي، الاتش بي سي الخ...)، كبرى شركات البيبسي والكوكاكولا، القنوات التلفزيونية الشهيرة مقل (سي إن إن و فوكس نيوز، والبي بي سي الخ...)، صحف كبرى، شركات جوالات، شركات بترول، وأهمها شركات السلاح، وشركات الأدوية، وشركات السيارات.
من المعروف أن تجار الحروب لا يجيدون سوى تسويق الحروب، ويقبل بعض السياسيين بالشهرة وفتات المال مقابل تنفيذ أجندات من أوصلهم للسلطة من رجال الأعمال وتجار السلاح ومهندسي الحروب.
فقد كان روبرت جاكسون أحد الكبار المسولين في شركة لوكهيد مارتن، إحدى اكبر شركات الأسلحة الأمريكية الذي قدم ما عرف بلجنة تحرير العراق، وكان ابرز من دافع عن فكرة الحرب وجدواها.
ومن بين أكثر الجهات استهدافا في هذه الحروب هو "الإسلام السُني"، واستئصال شأفة تأثيره على الجهات الإسلامية الأخرى، ففي حديث للمدير السابق لوكالة المخابرات الأميركية جيمس وولسي صرح بما يشير لتبني مثل هذه المخططات والقناعات، حيث أكد عام 2013 -في مؤتمر هيرتزيليا الذي يعقد سنويا في إسرائيل- أنه: "لا توجد أي ذرة شك في أن الغرب عليه العمل على إفلاس وإضعاف جميع المسلمين لكي يربح الحرب العالمية الثالثة".
فالولايات المتحدة أقامت اقتصادها على التصنيع الحربي العسكري سواء الدفاعي او الهجومي،واقتصادها منذ الكتاب الشهير "ثروة الأمم" عام 1776 للاقتصادي الاسكتلندي آدم سمث، وحديثه عن "التجار وأصحاب المعامل والمصانع" في إنجلترا آنذاك، ووصولا لأيامنا هذه والحديث عن "التكتلات والشركات المتعددة الجنسيات" واقتصادها يتزايد افقيا وعموديا باتجاه التصنيع العسكري وإيجاد سبل تصديره، وكثير من هذه المؤسسات المالية الضخمة، والتي تقف خلف كثير منها قوى يهودية تتعارض أحيانا في أهدافها وتوجهاتها مع المصالح الأميركية، لذا، نجد بعض الحروب تحقق للكيان الصهيوني ما لا تحققه للولايات المتحدة نفسها من أهداف. وهذا ما كان يحذر منه بعض رؤساء الولايات المتحدة القدماء.
وحسب كتاب المؤلف والناقد الألمعي ناعوم تشومسكي في كتابه "من يحكم العالم" فان حيوية تلك المؤسسات أو الشركات المتعددة الجنسيات تكمن في أنها تمتلك أكبر وأضخم وكالات الأنباء وشركات الإعلام والإعلان، وتمتلك شركات إنتاج الأفلام وصناعة السينما والتلفزيون، ودور النشر ومؤسسات صحفية، ومؤسسات قياس الرأي العام، أي أنها تملك إمكانية صياغة عقل ومزاج المواطن الأميركي. وتتعامل هذه الشركات مع المواطن على أنه سلعة تحاول صياغة مزاجه وتوجهاته، وتحاول غرس قيم سلوكية تتماشى مع متطلبات السوق والإنتاج، وتعمل هذه الشركات على تزييف وعي الشعوب وتقضي على مشاعر التعاطف والتضافر الجمعي بين أبناء المجتمع الواحد.