حمدي فراج - النجاح الإخباري - ترافق اتفاق اوسلو الذي تحتفي به إسرائيل سرا "في قلبها"، ونلعنه نحن في علانيتنا، بمناسبة مرور ربع قرن على توقيعه في حديقة البيت الأبيض الخلفية، وترافق الإعلان عنه أنذاك بالتبشير الصهيوني عن الشرق الأوسط الجديد، شرق السلام والاستقرار والرخاء، شرق اندماج العقل اليهودي بالمال العربي، شرق تزول فيه الحدود بين فلسطين والأردن ولبنان وسوريا وإسرائيل ، وتصبح الأسواق الحرة منتشرة بمحاذاة مياه طبريا والليطاني والأردن والنيل وعلى طول الساحل الشرقي للمتوسط، سكك حديدية تشق وحشة الصحراء وتحولها إلى واحات غناء في مناخ مثالي لا يضاهيه أي مناخ في العالم، حتى بلغ بالرئيس الراحل ياسر عرفات ان يتماهى مع مثل هذا الطرح فيعد ان تصبح فلسطين سنغافورة الشرق.
وعند مذبح هذا التوقيع والتوقع الذي حظي بمناصفة جائزة نوبل للسلام، قضى عرفات محاصرا في مقاطعته بعد حوالي العقد، لكن اسحق رابين، شريكه في الجائزة وفيما كان يطلق عليه "سلام الشجعان"، فقد قضى بعد اقل من عامين رميا بالرصاص.
انظروا ماذا كسّر الجمل الصهيوني من البطيخ الفلسطيني منذ ذلك "السلام"، حتى لم نعد نجد بطيخة جنينية واحدة تدخل أسواقنا اثر تزاحم بطيخ المستوطنات، وتمر المستوطنات و سمك المستوطنات. حروب متواترة بالجملة، اغتيالات، مصادرات، استيطان يبلغ ذروته بترحيل السكان كما مع الخان الأحمر حيث يستعد الجيش لتنفيذ قرار المحكمة العليا، حتى الأسرى لم يشفع لهم اوسلو بفك قيدهم، تحت أباطيل بعض المفاوضين بأنهم "نسوهم"، فجاءت "صفقة القرن" لتزل او تزح عن الطاولة قضية القدس واللاجئين، اعقبها قومية البلاد اليهودية مع إلغاء لغة السكان الأصليين.
ليست هذه تجليات اوسلو الوحيدة وإن كانت المباشرة والظاهرة لكل ذي عين، بل الشق العمودي الذي ضرب في عمق الشعب والوطن الفلسطينيين، ما سبقه من فساد ممنهج، كوجه آخر من عملة الاحتلال، صاحبه استشراء أمراض مزمنة مستعصية ضربت في النسيج الوطني الاجتماعي وأخذت تطل برأسها كآفات لم نعهدها من قبل كالمخدرات والقتل على خلفية ما يسمى بالشرف والحلول العشائرية التي ليس لها أي علاقة، لا بالدين ولا بالقانون، حين يتم إجلاء إحدى عشرة عائلة في إحدى القرى عن منازلها بمن فيهم الأطفال والنساء.
تقول الحكاية ان جحا وضع عينه على قدرة للجار، فذهب إليه لاستعارتها، وعندما أعادها له، احضر معها طنجرة صغيرة، فسأله الجار عن هذه الطنجرة الصغيرة، فأجابه ان القدرة ولدتها. فاستحسن الجار ذلك رغم انه في قرارته لم يصدق، بعد أيام أعاد جحا الكرة واستعار القدرة الأم بدون ابنتها- وقال : سأعيدها لك بعد يومين. وسرعان ما لبى الجار طلبه، طمعا لربما في «ميلاد» طنجرة جديدة، لكن جحا لم يعدها بعد يومين ولا بعد شهر، حتى احتجاها صاحبها واستطول إعادتها، فذهب إلى جحا يسأله، فقال له والحزن باد على محياه: الله أعطاك عمرها، لقد ماتت. بقية القصة تعرفونها، إذ قال له : كيف تصدق أنها ولدت ولا تصدق أنها ماتت؟!
عن القدس الفلسطينية