فهمي شراب - النجاح الإخباري - خاص- "في رواندا قتل مليون ونصف إنسان في الحرب العرقية وفي أمريكا قتل 4 مليون إنسان في الحرب الأهلية الأمريكية، وكذلك في اسبانيا قتل 3 مليون إنسان.
كل هؤلاء تصالحوا إلا نحن نغرد بالدماء وبالأشخاص الذين قتلوا خلال الانقسام .
كل ذلك يمكن حله يا أحزاب وطني أن صلحت النيات. للعلم في كولومبيا قتل وشرد 9 مليون إنسان علي مدار 52 عام، ولكن الشعب الكولومبي قرر في النهاية أن لا حل إلا المصالحة. فمتي ستصل أحزابنا إلي تلك القناعة"؟.. تلك العبارة السابقة كتبها الدكتور إبراهيم ماضي، الفلسطيني الذي يعمل منذ زمن طويل في منظمة الأمم المتحدة، ناقلا بعض تجاربه الغنية مما رأى وخبر بنفسه عن تلك الأمم التي ابتعث إليها كخبير وموظف مثابر يعمل من أجل الإنسانية جمعاء وتسهيل سبل الحياة.
وقد شهدت مناطق أخرى انقسامات داخلية عديدة وحروب أهلية دموية، انتهت جميعا بالمصالحة، والعيش وفق روح المشاركة الجماعية والمسؤولية الجماعية وعدم إقصاء أي فرد أو جماعة أو فئة أو حزب مهما كبر أو صغر.
فلبنان شهد حروب أهلية عنيفة راح ضحيتها عشرات الآلاف من كل مكونات الصراع، واستفادوا في نهاية الأمر بعد أن ذاق المجتمع ويلات الحروب والفتن الداخلية بان الخيار العسكري والحسم الداخلي والقضاء على إحدى أو بعض مكونات النظام أو المجتمع يعتبر ضربا من الوهم ونوعا من إضاعة الوقت والجهد وإفناء الإنسان. ووصلوا إلى اتفاق الطائف الذي وضع حدا ونهاية لتلك الحروب.
وفي الجزائر، أجرى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة استفتاء شعبي على ما سمي آنذاك بــ " الوفاق المدني" أي المصالحة مع الجماعات المتشددة التي كانت تلجئ للجبال، وهذا الاستفتاء أجراه لكي يتجاوز قناعة "العسكر"، الجنرالات الذين كانوا يرفضون التصالح مع الإسلاميين، فجاءت نتيجة الاستفتاء بــ "نعم" وتمت المصالحة، بعدما تجاوز المعارضين بشكل دستوري وقانوني وحضاري.
الأزمة مرشحة للاستمرار في غزة ولا أمل كبير يرجى لإتمام المصالحة بنفس هذا المسار وبنفس تلك القناعات. ومستويات الفقر والعوز والمرض في غزة ستزداد أكثر مع مضي الأيام، وستسير الأيام وتمضي وتطوي صفحات عديدة، وتموت قيادات عديدة مسؤولة عن هذا المشهد المأساوي ويموت مرضى كثيرون كانوا ينتظرون المصالحة من اجل الخروج للعلاج في الخارج أو تحسن الوضع الاقتصادي لكي يتمكنوا من شراء ابسط أنواع الدواء، ولن يحدث لا خروج موظفي السلطة في وجه حماس ولا تسليم حماس لسلاحها.
ودول كثيرة نحتاج نحن عشرة أعوام لننزلق لمستوياتها الأكثر انخفاضا ولم يحصل فيها ثورة أو انقلاب برغم وحدانية نظامها السياسي، عكس نظامنا الذي يسير برأسين منفصلين مما يصعب أكثر ما تطمح له قيادات تعد على كف اليد في السلطة الفلسطينية في حلمها تسلم غزة خالصة أو من الباب للمحراب أو تحت الأرض وفوق الأرض. فهذا العبارات السابقة تم اختراعها للهروب من استحقاقات المصالحة.
وفي النهاية، لا يهم الشعب من اخطأ بحق من مِن الأحزاب والفصائل، ومن اعتدى على من. ولا يهمه الأحزاب نفسها، ولكن يهمه ان يسترجع كرامته وحقوقه المسلوبة وفرص عمل لابناءه، ومستقبل تعليمي أفضل وتنقل مريح من والى قطاع غزة المحاصر، والواقع عليه ظلم منذ 12 سنة.