عيسى قراقع - النجاح الإخباري - رئيس هيئة الأسرى والمحررين السابق
نصب تذكاري ، عنوان الجزء الثاني للكتاب التوثيقي من اعداد وتأليف الكاتبين الأسيرين المحررين حافظ ابو عباية ومحمد البيروتي والواقع في مائتي صفحة من القطع المتوسط والموسوم بلوحات خطت داخل سجون الاحتلال والصادر عن هيئة شؤون الاسرى والمحررين .
هذا الكتاب ينبش الذاكرة ويقشر التراب عن المدفونين، ويحرك الكلام في صمت وبرودة الزنازين، ويشعل شمعة لا تنطفيء فوق ارواح الراحلين وعلى نافذة كل بيت في فلسطين .
نصب تذكاري، ربما لا يكفي العنوان ليعبر عن المضمون، أَنْ تَجْمع ذكريات فدائيين
ومقاتلين عاشوا الثورة والاشتباك واقتحموا لحظات الموت ألف مرة، نذروا أنفسهم
لفلسطين روحاً ودماً ووفاءً، وصبروا سنوات عجاف قاسيات داخل السجون والمعسكرات وأقبية التحقيق.......كل هذا لا يكفي......
شكراً شكراً لذاكرة المناضِلَ الكاتِبَين الأسيرين المحررين حافظ أبو عباية ومحمد البيروتي،ذاكرة جمعية استطاعا من خلالها أن يذهبا مع هؤلاء الرجال إلى حيث انطلقوا من قواعدهم وخاضوا المعارك ضد الاحتلال، لملما جراحهم وأفكارهم وحكاياتهم الإنسانية من على كل حجر وحبة تراب، من كل موقع ومغارة، ومن كل قرية ومدينة ومخيم، ليقولا لنا: هؤلاء المقاتلون ارتبطوا بفكرة تحرير فلسطين، وهذا طريق محفوف بالمخاطر التي تودي عادةً إما إلى الموت أو إلى المعتقل، وهما أمران ذاقهما رجال النصب التذكاري كما يقول المؤلفان.
ن عاشا معهم داخل السجون واستمعا إلى رواياتهم، تمعّنا في بطولاتهم وأساطيرهم، شاهداهم يواصلون درب النضال رغم القيد وحفلات القمع، ورأيا كيف تجلت البطولة أكثر عندما تحولت السجون إلى قلاع ومدارس أسقطت مخططات إدارة السجون، ونقلت الأسرى من كونهم أصفاراً وأشباحاً إلى كيان واضح الملامح والوجود والحضور رغم الغياب.
يقول الكاتبان: السجون بالنسبة للمقاتلين الفلسطينيين ليست نهاية مرحلة، بل بداية مرحلة جديدة مليئة بالزخم والتحدي، مرحلة نضالية أشدّ شراسةً مما سبقها أو يليها
تحتاج إلى الشجاعة والمثابرة والانتماء والصبر والعمل بما يفوق مرحلة القواعد والعمليات العسكرية، وهذا ما ميّز رجال النصب التذكاري داخل قلاع الأسر.
نصب تذكاري ليس فقط كتاب توثيق لشهداء رحلوا أو لأحياء ما زالوا يعيشون الأمل،
ولا هو كتاب رثاء، وإنما كتاب حياة لشعب لا زال يكافح من أجل حق تقرير مصيره في سبيل الحرية والاستقلال.
نصب تذكاري ليس فقط لحفظ شرايين التاريخ حتى تبقى تضخ في الوعي الانساني دما وايمانا ويقينا وإنما هو قرار بأهمية تحويل التضحيات الى معنى وعدم حبسها في متحف بارد لا تتنفس في سماء، ولا تشكل رصيفا لميناء، ولا رؤية لما هو آت في مستقبل دفع الرجال والنساء ثمنا عظيما من حياتهم لاجله.
نصب تذكاري هو اللحم والدم والعظم و الصوت والضوء والنار والتراب والارادات الفلسطينية في مواجهة سياسة الموت السياسي والجرائم الاسرائيلية المتواصلة والمشرعنة بقوانين عدائية عنصرية والتي تستهدف شطب الهوية النضالية الوطنية وتفريغ التاريخ، وتجريم نضالات الاسرى والشهداء والجرحى.
نصب تذكاري شاهدا على وجودنا التاريخي والحضاري والانساني والنضالي، شاهدا على جرائم الاحتلال الاولى واللاحقة ، فلا تسمحوا ان يهدموه او يشطبوه، فالجماجم لنا، الخطوات السابقة والقادمة لنا ، الكلمات لنا، تنحدر الشمس ، ينحدر الامس، والغد لنا ولا زلنا في الميادين لا تماثيل من حجر ولا احصنة من طين، هو صوت صهيل يملأ رئتينا لنستمر على درب رجال النصب التذكاري يضيئون هذا الكتاب.
من يقرأ هذا الكتاب يتعرف على فلسطين الجغرافيا والرموز، الشوارع والحارات، العائلات والعادات، أسماء الأشجار والنباتات، يصل الجبل، يخوض غمار البحر ويكتشف في النهاية أننا شعب لا نموت إلا واقفين قتلاً في معركة أو قهراً ومرضاً في سجن، ولكننا لا نستسلم.
إقرأوا "نصب تذكاري" لأنه لا شيء في حياتنا جدير بأن يكرّم سوى حقنا في حياتنا التي
نريدها كما نريد أن تكون، وناضل هؤلاء الأبطال وغيرهم من أجلها.
إقرأوه لتتعرفوا على خطى رجال لا زالت آثارها محفورةً في المكان، مشوا طويلاً على درب الآلام لبلوغ القدس وإضاءة شمس الحرية، تربطهم علاقة وثيقة مع الأرض والتاريخ واللغة، وستجدون أن في كل واحد منهم قصة لكم وأمنية ملغومة بالأحلام تكاد تنفجر.
لا تعتقدوا أن هذا النصب التذكاري مكتمل .....لا زال في الأرض كلام للشجر، ولا زالت نساء فلسطين ينثرن الحب شهيدات وأسيرات وأمهات على القدس واليقين.
شكراً مرةً أخرى لحافظ أبو عباية ومحمد البيروتي، ملأا النقصان والفراغ بين الزمان
والمكان، ليعبرا عن انسانية الانسان المناضل في ابهى قداستها وآمالها الحرة، بذاكرة صاحية ورعشات أصابع مناضلين أعادا ترميم الرحلة والحكاية، لرجال نجوا من غارة اشتباك تارةً، ومن قمعٍ وحشيٍ في السجون تارةً أخرى، تنافسوا بهوس على طريق الغد.....
عن القدس الفلسطينية