عيسى قراقع - النجاح الإخباري - رئيس هيئة شؤون الاسرى والمحررين
رحلت المناضلة الأممية القديرة المحامية فيلستيا لانغر يوم 22/6/2018، «الحجة فولا» كما لقبها الأسرى الفلسطينيون ، والدتهم وصوتهم والمدافعة عن حقوقهم وكرامتهم في مراحل عصيبة وقاسية ، فتحركت في أروقة المحاكم العسكرية وفي الزنازين وفي أقبية التحقيق، وصلت الى المحشورين في العتمة والمعذبين والمضطهدين وخاصة في السنوات الاولى التي أعقبت الاحتلال الاسرائيلي عام 1967.
لم ينس الأسرى والمناضلون الفلسطينيون المحامية لانغر، فقد احبوها وهي تطل عليهم في كل زنزانة وسجن، ترفع معنوياتهم وتشد ازرهم وتزور عائلاتهم ، تقف أمام قضاة المحاكم العسكرية مدافعة عنهم كمقاتلي حرية شرعيين ، منددة بسياسة الاحتلال وبجهازه القضائي الذي ادركت منذ البدايات انه غطاء لشرعنة الاحتلال.
لقد اختارت فيلتسيا لانغر طريقها ورأت في الفلسطينيين المناضلين من اجل الحرية والسلام اخوانا لها، لهذا عندما اصدرت كتابها الوثائقي عن تجربتها مع الاسرى وضعت له عنوانا واضحا وهو (اولئك أخواني) وأهدت الكتاب لهم.
لقد سجلت لانغر الحقائق عن كل ما يجري تحت مظلة الاحتلال في كتابها الشهير (بأم عيني) فقد شاهدت الجرائم، ورأت التعذيب على أجساد المعتقلين ، ورأت كيف تنتهك حكومة الاحتلال القوانين الدولية والانسانية، لا قانون دولي في ساحات السجون والمحاكم وغرف التحقيق، استباحة ممنهجة ورسمية واستهتار بالعدالة الانسانية.
في كتابها بأم عيني تحدثت لانغر عن المعتقلين المشبوحين، عراة في البرد، عن الضرب على الاعضاء التناسلية، عن سجن صرفند والتحقيق العسكري الجنوني ، عن إعطاء المعتقلين اكواب من الشاي المملوءة بالبول ، عن إجبارهم على النظر الى المرايا لرؤية وجوههم المهشمة المتورمة ، عن حرق الخصيتين واقتلاع الشعر وإطفاء السجائر في باطن القدمين، عن وضع البيض المسلوق الساخن تحت الابطين ، عن اسداء النصح للمعتقلين بالانتحار.
يقول أحد القضاة الاسرائيليون: لدى السيدة لانغر آلة كاتبة ، وهي تشغل المحكمة العليا بالتماساتها وكانه لا شاغل لنا سواها، وليس هذا فحسب بل وترفق كل التماس تقدمه بحملة دعائية صاخبة عن تعذيب المعتقلين.
أدركت لانغر خلال عملها ان شرطة وحراس الاحتلال هم ادوات في جهاز الة القمع الاحتلالية وهم يقومون بعمل مناف للإنسانية وللقيم البشرية ، لتتحول اقوالها وشهاداتها الى براهين ساخنة ومزعجة لدولة الاحتلال التي اعتبرتها شخصية غير مرغوب فيها.
فيلتسيا لانغر تحمل بطاقة هوية اسرائيلية بينما يتشدق قادة اسرائيل بأن سلاحهم طاهر وأن دولتهم هي واحة الديمقراطية في منطقة الشرق الاوسط فردت على ذلك بقولها : انها تتعذب حين ترى الدم الفلسطيني يلطخ بطاقة هويتها ويلطخ وجه شعبها امام هذه الادعاءات الزائفة.
محرر جريدة «الايكونومست» قال: ان القضاة العسكريين الاسرائيليين حين يصدرون أحكامهم القاسية فإنهم لا يعاقبون الفلسطينيين بقدر ما يعاقبون فيلتسيا لانغر، وخاصة عندما عبرت عن اسفها بوصفها محامية اسرائيلية من قبل بعض وسائل الاعلام وقالت: انا لكم ومنكم ولست منهم.
عندما التقينا لانغر في المؤتمر الدولي لمناصرة الاسرى في ألمانيا عام 2015 وجهت نداء مفتوحا الى النائبة المعتقلة خالدة جرار تقول فيها: لقد تم اعتقالك إداريا وبدون محاكمة حتى يتم التمويه على اعتقالك دون ذنب وفقط لرأيك السياسي ، فأي محكمة هزلية هذه، وان اعتقالك الظالم سينقلب عليهم.
في عام 2017 وخلال اضراب الاسرى عن الطعام والذي استمر 42 يوما وجهت لانغر نداء الى المجتمع الدولي بعنوان انقذوا حياة الاسرى الفلسطينيين قائلة: اناشدكم بعدم السكوت على هذا القمع المستمر والا اصبحتم مشاركين بهذه الجرائم.
فيلتسيا لانغر لم تتحمل فاشية الاحتلال، ولم تستطع استمرار العيش في دولة تمارس الجريمة المنظمة، وظلت من بعيد تتواصل مع الاسرى ومع عائلاتهم، وظلت صوتا دوليا مدويا بعد ان أغلق الاسرائيليون آذانهم ،وأغلقوا ابواب السجون وابواب العدالة والسلام.
تحية الى الحاجة فولا، التي منحها الرئيس ابو مازن وسام فلسطين ، وظل اللوبي الاسرائيلي يتظاهر امام منزلها في ألمانيا حتى آخر يوم من حياتها، يطاردها ويضايقها ويحاسبها على مواقفها الشجاعة والمناصرة للحقوق الفلسطينية.
تحية الى روح لانغر وهي تلخص موقفها واعتزازها بالشعب الفلسطيني بتلك القصة الواقعية عن أسير فلسطيني التقته في أحد السجون وقد فقد ساقيه وظل يقاوم السجان والآلام قائلا: ليس لي رجلان، ولكن لي رأسا ارفعه وكرامة اصونها وقلبا يحب ارض الوطن.
عن القدس الفلسطينية