فهمي شراب - النجاح الإخباري - على عكس المفاهيم الدارجة في بلداننا وأنظمتنا العربية، إن التنظيمات او الفصائل والتي تسمى "أحزاب"، وإن كان تعريف الحزب كلاسيكياً -تجمع أو تكتل هدفه الوصول للسلطة والبقاء فيها- إلا أن الأحزاب وسيلة "غير مقدسة" لتحقيق أهداف المجتمع وحاجاته.
والأصل أن لا يضير الإنسان أن يكون في حزب العمال وبعد فترة يذهب لحزب المحافظين "البريطاني"، أو يمثل خرقاً للمبادئ بأن يكون في الحزب الديمقراطي ويعمل ويتعاون مع الحزب الجمهوري "الأمريكي". أو كما في (إسرائيل)، حيث يتم اختراع حزب (كاديما) جديد، ليضم أحزاب تقليدية كبرى.
إن الانتماء لحزب ومساعدة أحزاب أخرى لتحقيق غايات سامية ليس كُفراً أو عيباً أو منقصة أو ذميمة، بل هدف نبيل يجب الوصول إليه، وليس كما دخول أحزابنا "العصماء" في خصومة تصل لحد العداء الأعمى، كما هو واقع بفلسطين بكل أسف.
في الحالة الفلسطينية، تتفوق السيرة النضالية للشعب على ممثليه بمسافات شاسعة، وبفعل الارتباط المصلحي بين القيادات وبين المنظومة الخارجية القائمة على توفير سبل البقاء للأولى، فان تنازل كبير قد شهدته الحالة الفلسطينية لصالح الفصائل، وأصبح لكل فصيل أبناء يتسمون بــــ "الموالاة العمياء" ينتمون له ويذودون عن حياضه في سبيل المميزات والراتب، وغابت البرامج الطموحة المعنية بتحقيق أهداف هذا الشعب وتطويره وتثقيفه، والذي تتراكم وتتفاقم أزماته المتعددة مع استمرار سنوات الانقسام، وحيث يبدو بالكاد أن أحد يمثله من الناحية الخدماتية وتوفير مستوى مقبول من حد الكفاف والكرامة وحرية التنقل بين مدن الوطن من ناحية، ومن ناحية أخرى عبر الوطن والعالم الخارجي، مع تسجيلنا خطورة غياب تأثير الرأي العام الفلسطيني على صانع القرار والذي يعزى بسبب الانقسام أيضا.
والفلسطيني مطلوب منه في هذا الوقت أن يبدي أي شكل من أشكال "الوحدة الشعبية" الذي يمكن أن يتمثل في توحيد الصف، وتوحيد القيادات ضمن مفهوم وحدانية التمثيل بناء على أسس المشاركة السياسية ونبذ الإقصاء، والوقوف صفا واحدا أمام مخططات الدولة الصهيونية، وخاصة ان الرئيس الأمريكي طلب من العالم العربي وخاصة دول الخليج توفير ما قيمته 500 مليون دولار أو أكثر استعدادا لإنشاء مشاريع في غزة وسيناء، وهذا هو الجزء العملي الذي بدأ في تطبيقه لتنفيذ صفقة القرن. وهنا اول امتحان حقيقي للشعب الفلسطيني وقيادته.
وعليه، أول ما يمكن البدء فيه هو: توحيد حركة فتح وعدم السماح بإضعافها وتفتيتها، وانتهاءً بدمج حماس ضمن مفهوم وحدانية التمثيل السياسي والخدماتي، حيث الجميع في خندق واحد، وأمام خطر واحد. وحيث هذا المدخل هو الأسرع والأضمن والأوحد لاستعادة القضية الفلسطينية صدارة الأولويات، و دون ذلك خرق القتاد.
ومع خفوت الضوء الذي كنا نلمحه ونراهن عليه من حين لآخر تجاه المصالحة وفرص إتمامها، نتساءل؛ متى سنستيقظ كقيادة ونخب وفصائل وأحزاب؟ وفي الأخير، فان اليمنين أصبحوا يمن واحد، وان اتفاق الطائف أنهى الانقسام اللبناني المدمر والحرب الأهلية التي أزهقت آلاف الارواح البريئة في لبنان، و"الوفاق المدني" أنهى الحرب الأهلية في الجزائر، وألمانيا الشرقية عادت لألمانيا الغربية بعد أن اسقط الشعب سور برلين، وعليه؛ فان المصالحة الفلسطينية قادمة، والحزبية الضيقة ستتلاشى، والسياسات المكارثية الحزبية المقيتة ستموت كما مات صاحبها "جوزيف"، مهما طال الزمان وتمدد، و مهما هدرت تلك القيادات من عُمر هذا الشعب, وتذكروا بان نيرون قد مات، ولم تمت روما..