فهمي شراب - النجاح الإخباري -
يتساءل البعض عن جدوى مسيرة العودة وهل حققت الأهداف المرجوة منها؟ وهل هذا الأسلوب يجدي نفعًا مع الاحتلال الإسرائيلي؟ وان كنا كفلسطينيين لا نملك ترف الوقت لكي نطرح هذه الأسئلة، إلا أن الفلسطينيين في معركتهم المفتوحة مع الاحتلال يربحون بتسجيل النقاط المتتالية طالما أنهم لا يملكون إمكانية تسديد ضربة قاضية لهذا الاحتلال، وبناء على هذه النظرية، فان ابتكار أساليب مختلفة في المقاومة غير العنفية أصبحت مجدية في ضوء التطور الإعلامي ونقل الصور تباعا إلى العالم الغربي ليكتشف هذا العالم مدى المظلومية الواقعة على الشعب الفلسطيني. هذا العالم الغربي هو نفسه الذي ساعد الاحتلال الإسرائيلي قبل عقود من الزمن بتعاطف منه لما حدث "لليهود"من محرقة، ولولا ذلك التعاطف ومساندة دول كبرى له ما استطاع إنشاء دولة أو كيان. الأمر الذي بات يقلقهم في إسرائيل على المستوى السياسي والأمني والاستراتيجي، حيث تستند إسرائيل في البقاء على عنصرين أساسيين، عنصر:
1_ " تحقيق الأمن الداخلي": والذي يوفر البيئة المستقرة لاستقبال المهاجرين وزيادة العدد لمواجهة القنبلة الديموغرافية العربية.
2_ "الشرعية والصورة الدولية": حيث تدعي إسرائيل بأنها الدولة الديمقراطية في صحراء العرب القاحلة من الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان.
فكشفت مسيرة العودة الأسلوب البربري للاحتلال بقتله الصحفيين والإعلاميين والمسعفين والنساء والأطفال والرضع، والمقعدين وذوي الحاجات الخاصة، ووصلت الصور للعالم الغربي، مما بدأ ينعكس سلبًا على صورة وشرعية الاحتلال الإسرائيلي، حيث إن الرد الإسرائيلي على فعاليات مسيرة العودة السلمية يحرج إسرائيل، وأيضا عدم الرد يضعها في ورطة بسبب تزايد الفعاليات وإصرار الفلسطينيين على الاستمرار والتقدم، ووقوفها عاجزة.
وتحمل مسيرة العودة التي ترتكز على القرارات الدولية رسائل متعددة منها أن الشعب الأعزل يريد أن يحيا بكرامة مثل باقي الشعوب، ويستعيد حقوقه المسلوبة، حتى أن طفل إسرائيلي يسأله المدرس بالأمس في مدرسة اسرائيلية: لماذا يخرج الفلسطينيون في مسيرة العودة ويرموننا بطائراتهم الورقية؟ فيرد ببساطة وعفوية: " لأنهم يريدون استعادة أرضهم التي أخذناها منهم".
فضمان نجاح المسيرة حفاظها على سلميتها، لان الاحتلال حاول جر الحشود إلى مواجهات عنيفة لكي ينهيها ولكنه فشل، برغم ارتكابه مجازر وقتله لأعداد كبيرة من الحشود على الحدود الزائلة.
إن الدليل على أهمية هذه المسيرة انعقاد مجلس الأمن عدة مرات من اجل مناقشة ذلك، وبرغم استعمال الولايات المتحدة لحق النقض وإفشال أي قرار مساند للفلسطينيين، إلا انه كشف بان العالم الغربي وصل لقناعة بان العنف المستخدم من طرف الدولة الإسرائيلية لا يساهم في صناعة السلام والأمن في المنطقة وان إسرائيل تشطب مبدأ "حل الدولتين" و باتت خطرا وينذر بإشعال فتيل المنطقة.
إن موجة جديدة من التعاطف مع الفلسطينيين جميعا بسبب ما يحدث في غزة لهو مرحلة جديدة متقدمة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث باتت صور الفلسطينيين والرموز النضالية على جدران دول أوروبا، وبات التعاطف أكثر وضوحا بزيادة المقاطعة للرموز الإسرائيلية على الصعيد الرياضي والفني والتجاري والأكاديمي الخ...
ومما أعطى هذه المسيرة الزخم الوطني، والتأثير الأكبر هو انخراط جماهير حركة فتح منذ البداية في فعالياتها، وتوحيد الرايات ورفع علم فلسطين فقط، وأنها تعبر وتمثل كل الشعب بدون استثناء.
ويظل اكبر عائق أمام مسيرة العودة هو الانقسام الأسود، الذي يقلل فرص نجاحاتها، ويمثل عنصرا محبطاً دوما لأغلب الفعاليات. حيث يفت الانقسام في عضد الفعاليات ويدخل الجمهور في آتون المناكفات والأسئلة غير المجدية والتي تعصف بالجهد الوطني الفلسطيني. لذا، فالدعوة إلى إنهاء الانقسام يجب أن تظل قائمة حتى نجدد شرعياتنا التي انتهت ونوحد تمثيلنا الفلسطيني، ونغلق الأبواب أمام التدخلات الخارجية التي أضرت بالقضية الفلسطينية أكثر مما أفادتها.