راسم عبيدات - النجاح الإخباري - بعد حفل افتتاح السفارة الأمريكية في القدس يوم الإثنين 14/5/2018 وتصريح جاريد كوشنير، صهر الرئيس الأمريكي في ذلك الإحتفال، بأن اسرائيل وصية على القدس وما فيها ، واعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن عقد قمة لدول التعاون الإسلامي في اسطنبول رداً على نقل السفارة الأمريكية ومجازر اسرائيل بحق مسيرات العودة ، واعلن الملك عبد الله الثاني مشاركته في تلك القمة ولكن كان لافتاً اصطحاب إخوته الأربعة معه ، أي ذهاب الهاشميين الى مبايعة الأتراك العثمانيين في عاصمتهم الدينية اسطنبول ورأب صدع قطيعة بين الطرفين عمرها أكثر من مئة عام بعد الثورة العربية الكبرى التي قادها جد الملك عبد الله الأول الشريف حسين بن علي ضد الأتراك.
واضح جداً بأن عملية نقل السفارة الأمريكية وتصريح كوشنير، كانا بمثابة ناقوس الخطر الذي دق أمام القيادتين الأردنية والتركية، وهو ما حمل الطرفين على التوافق، ولذلك فإن قضية القدس لم تعد بالنسبة للملك الأردني عبد الله الثاني مجرد مسألة وصاية، بل مسألة شرعية ايضاً. والأردن يستمد شرعيته الدينية التاريخية من مسألة الوصاية على القدس، ولذلك لا يوجد فرق ما بين الوصاية والشرعية.
وكان اللافت في كلمة الملك عبد الله الثاني استبدال مصطلح القدس اخت عمان بالقدس توام عمان.. وكذلك حرص الرئيس التركي على إجلاس الملك عبد الله علي يمينه والتأكيد على الوصاية الهاشمية على القدس .
نحن نعرف ونعي تماماً أن غياب الرئيس محمود عباس عن قمة اسطنبول مرتبط بطبيعة ظروف معينه منها وضعه الصحي، ولكن حضور الملك عبدالله الثاني لقمتي اسطنبول الأولى والثانية قبل وبعد نقل السفارة الأمريكية من تل ابيب الى القدس يحمل اكثر من دلالة ومعنى، الأولى، هي رسالة واضحة الى دول الخليج النفطية وفي مقدمتها السعودية والامارات العربية، بأن تعميق ازمة الأردن الإقتصادية من خلال رفض تقديم الدعم المالي للخزينة الأردنية، لن يدفع به نحو الإستسلام ورفع الراية البيضاء، فهو في القمة الأولى أصر على الحضور شخصياً، رغم أنه مورست عليه ضغوط ، وقدمت له إغراءات مالية كبيرة لعدم الحضور أو تخفيض سقف الحضور الأردني، وعدم الإعتراض على صفقة القرن الأمريكية، وحضوره للقمة الثانية في إسطنبول رسالة تقول بانه سيعمل على فتح أفاق علاقاته وتحالفاته مع الدول التي تعتبرها الدول الخليجية معادية لها مثل قطر وسوريا وايران التي صافح رئيسها روحاني والتقى به لأول مرة منذ 15 عاماً وتركيا،فتركيا اتخذت مواقف قوية تجاه نقل السفارة الأمريكية من تل ابيب الى القدس،ودعمت بشكل قوي الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، نكاية بالسعودية ومصر، رغم ان الأردن يجب ان يكون حذراً فتركيا لها حساباتها ورغبتها في الوصاية، والتموضع السياسي والدبلوماسي مع انقرة الآن، قد يكون مؤقتاً، ولكن في مقياس الربح والخسارة سيكون اهون الشرين.
والرسالة الثانية التي حملتها مشاركة الملك عبد الله الثاني لقمة اسطنبول هي ما يجري من شرعنة وعلنية للتطبيع في العلاقات الخليجية - الإسرائيلية والتي تعني بان حاجة تلك الدول، لكي تكون العاصمة الأردنية عمان بحكم علاقات الأردن الدبلوماسية مع اسرائيل، المكان الملائم للقاءات مسؤوليها السرية باسرائيل وقد انتفت الحاجة اليها، وهذا يعني تراجع في الدور الإقليمي للأردن، وليس فقط من هذه الزاوية، فالمحور الأمريكي- السعودي - الإماراتي كان يحتاج الأردن في الأزمة السورية،حيث غرفة العمليات " الموك" كانت تستخدم لإدارة والإشراف على العمليات في سوريا لصالح الجماعات الإرهابية والتكفيرية التي رعتها ومولتها وسلحتها تلك الدول، والان والحرب العدوانية على سوريا تقترب من نهاياتها، فلم يعد هناك حاجة ماسة لمثل هذه الغرفة للعمليات.
والقضية الأخطر والمعضلة التي تنتصب أمام الملك الأردني، هي مسألة الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، فهناك محاولات جادة تبذلها دولة خليجية لسحب الوصاية من الأردن، وجست نبض شخصيات مقدسية دينية اسلامية ومسيحية أكثر من مرة ودعتها لزيارتها، ولكن تلك المحاولات جرى اجهاضها، ولعل ما يخيف الملك عبد الله الثاني ما قاله المتطرف كوشنير صهر الرئيس الأمريكي ترامب في افتتاح السفارة الأمريكية في القدس، بأن اسرائيل هي الوصية على القدس وما فيها، وهذا يعني بشكل واضح ضوء اخضر امريكي لسحب الوصاية الهاشمية عن المقدسات الإسلامية والمسيحية وفي المقدمة منها المسجد الأقصى.
ولعل ورود بند في البيان الختامي لقمة اسطنبول يؤكد على الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس لن يبدد مخاوف الملك، فهو يشعر بأن هناك من يسعى لنزع هذه الوصاية.
وكذلك عقب تصريحات كوشنير ونقل السفارة الأمريكية، وبقاء الموقف الرسمي الأردني، في إطار الشجب والإستنكار وصياغة المذكرات، دون طرد السفير الإسرائيلي وسحب السفير الأردني من تل أبيب، أو على الأقل اللجوء الى عمليات الإستدعاء، كما حصل مع تركيا وبلجيكا وجنوب افريقيا وكتعويض عن عدم حصول ذلك كان قرار الملك الأردني بالذهاب الى قمة اسطنبول الثانية.
والأردن في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها، وخصوصا الأزمة الإقتصادية، وما يحتاجه لفكفكة حلقاتها، ليس الإستجابة لوصفات البنك الدولي المدمرة، بل لا بد من اتخاذ خطوة جريئة بتظهير علاقات الأردن مع سوريا، والعمل على فتح معبر نصيب بإشراف الدولة السورية، والذي من شأنه ان يقلل من حجم تأثيرات الأزمة الاقتصادية وجنون ارتفاع الأسعار، وكذلك وضع دول الخليج في خانة "اليك"، عبر التجاوب مع طهران والحصول على النفط المجاني منها.
أما فيما يتعلق بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، فإفشال تجاوز هذه المخططات الاسرائيلية والامريكية الخليجية، يجب ان يستند الى موقف مقدسي قوي وطني سياسي مجتمعي وشعبي مع وقوف الأردن الى جانب المقدسيين بشكل قوي، ويسهم بشكل جدي بتخفيف حدة ما يعانونه من ازمات اقتصادية واجتماعية، وأن تعطى أوامر واضحة بجعل اراضي الوقف تستغل لإقامة مشاريع اسكانية للفئات المهمشة وبأسعار معقولة، وكذلك إقامة مؤسسات تعليمية من مدارس وغيرها، حيث ان جزءاً لا بأس به من تلك الأراضي يذهب في الإتجاهات الخاطئة.
وفي هذا الشهر الفضيل نأمل أن تصغي القيادة الأردنية الى المقدسيين بمختلف تلاوينهم ومركباتهم السياسية والمجتمعية.
انا ادرك تماماً بأن الفرصة لم تفت، وادرك حجم المخاطر والضغوط التي يتعرض لها الأردن من قبل الحلف الأمريكي- الخليجي، وبأن تمرير صفقة القرن، يستهدف الأردن كأحدى الساحات الرئيسية التي تتأثر بذلك، ولكن مهما تكن الضغوط والمخاطر، فعلى الأردن عدم الخضوع للضغوط الممارسة عليه. فالخسارة المترتبة على الصمود والمقاومة، أقل كلفة دائماً من خسائر الرضوخ والإستسلام.
ولا شك أن القيادة الأردنية تستمع جيداً الى نبض الشارع الأردني وبالتالي العمل على تعزيز مسيرة الإصلاح السياسي والمالي بشكل جدي وحقيقي، وبما يشمل محاربة الفساد وحيتانه، والذين يشكلون جزءاً من الأزمة الاقتصادية، وكذلك يجب استرداد الكثير من الأموال التي نهبوها، وأيضاً اقصاؤهم عن مراكز القرار.