طارق الشيخ - النجاح الإخباري -  طارق الشيخ

ضجة عالمية كبيرة تحيط بالشرق الأوسط منذ بداية الأسبوع الماضي، والسبب السطحي كان "مشروع عماد". هذا باختصار هو وصف حالة الجدل المرتفع الصوت المثار، وبشكل مفاجئ حول إعادة الولايات المتحدة النظر في الاتفاق النووي الإيراني ثم الإنسحاب منه، الذي سبق ووقعته الدول الكبرى (بما فيها الولايات المتحدة) مع إيران عام 2015.

الجدل المثار جاء في توقيت له مغزاه؛ فقد نشب الجدل عندما قال الرئيس الأمريكي ترامب إنه سيتخذ قراره إزاء بقاء بلاده في الاتفاق النووي الإيراني بحلول 12 ايار 2018، وقالت الدول الأوروبية إنها ملتزمة بالحفاظ على الاتفاق بينما أظهرت واشنطن موقفا مناقضا لذلك، ووقف العرب كالعادة مثل "المتفرج الطيب" الذي تحلق حوله المهرجون الخبثاء يمارسون ألاعيبهم البهلوانية استعدادا لخدعة جديدة تمارَس على "المتفرج الطيب".!!

وهكذا فتح الستار على مشهد نشوب جدل من قلب واشنطن، التي تسعى إلى تسليع خدماتها الأمنية الدفاعية وتقديمها "بأجر" إلى الدول الغنية في الشرق الأوسط، ودول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها السعودية، التي تعد رهينة التهديدات الإيرانية المتنامية في السنوات الأخيرة.

كما جاء الجدل في وقت تلوح فيه واشنطن بالاستعداد لتنفيذ قرار نقل سفارتها إلى القدس كتأكيد على اعترافها بأنها عاصمة إسرائيل، في تحرك معاكس لكل الأعراف والتشريعات والقرارات الدولية بشأن المدينة المحتلة.

أما الأهم فهو أن تفجير نار ذلك الجدل بشأن الاتفاق النووي تزامن مع حالة من المساومات بين عدة أطراف إقليمية ودولية حول توزيع الأدوار ومناطق النفوذ التي تحتلها تلك القوى داخل الأراضي السورية.!

فلا يجب إغفال أن إيران تعد الحليف الرئيسي لنظام بشار الأسد بعد روسيا، ومن ثم يمكن وصف تلويح واشنطن بالانسحاب من الاتفاق النووي قبل اعلان ترامب رسمياً هذا الانسحاب أمس الأول، على أنه ضغط ومساومة في إطار صفقة أوسع نطاقا مع إيران تشمل دورها في سوريا وإرضاء الحليف السعودي مؤقتا وتأمين الحليف الإستراتيجي الأول لواشنطن في المنطقة.. إسرائيل.

ولكن ما هو دور إسرائيل؟، ولماذا أكد رئيس وزراء إسرائيل، التي "تدعى" طهران بأنها المستهدف الأول من صواريخها، أنها لا تسعى لحرب مع إيران؟!

الواقع وما تم تداوله من معلومات سابقة يؤكد إن إسرائيل لديها منذ سنوات العديد من الخيارات الأخرى بشأن البرنامج النووي الإيراني، وإنها شرعت بالفعل في تنفيذها منذ سنوات دبلوماسيا ومخابراتيا.

فمن المتعارف عليه عالميا أن المعلومات المخابراتية، التي يُفترض أنها سرية، لا يتم تبادلها عبر شاشات التليفزيون والقنوات الفضائية، لأنها بطبيعتها لا تُناقش في العلن، ولكن ما شهده العالم الأسبوع الماضي كان أكثر من عجيب. لقد كانت حملة دعائية أدارتها إسرائيل بشكل "كوميدي" ضد إيران.

لقد وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو أمام كاميرات الفضائيات، ليقدم ما وصفه بـ"ملفات سرية نووية"، تثبت أن إيران كانت تسعى "سرا" لإنتاج أسلحة نووية.

وقدم نيتنياهو، متحدثا باللغة الانجليزية، من مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب، ما قال إنه "نسخ طبق الأصل"، من وثائق حصلت عليها المخابرات الإسرائيلية من "مخزن سري" (بدا في الصور على هيئة مخزن بدائي أو كشك كبير) في طهران.

وقال نيتنياهو إن لديه 55 ألف صفحة من الأدلة و55 ألف ملف على 183 أسطوانة تتعلق بـ"مشروع عماد" الذي كان يهدف لإنتاج خمسة رؤوس نووية، تبلغ قوة كل منها 10 كيلو طن من مادة "تى إن تى" شديدة الانفجار، وذلك وفق الإعلام الإسرائيلي. وأكد إن "آلاف الصفحات من المواد التي حصلت عليها إسرائيل توضح أن إيران خدعت العالم بإنكار أنها كانت تسعى لإنتاج أسلحة نووية".

واتهم نيتنياهو إيران بأنها كانت تطبق برنامجا للتسلح النووي حتى عام 2003، وكان يطلق عليه سرا اسم "مشروع عماد"، وأن إيران استمرت في برنامجها للتسلح النووي حتى بعد إغلاق "مشروع عماد"، حيث كانت إيران تخزن مواد مشروع "عماد" سرا، لاستخدامها في الوقت الذي تختاره لتطوير سلاح نووي.

وقال نيتنياهو إن بلاده قدمت نسخة إلى الولايات المتحدة، وإنها ستقدم نسخة أيضا لوكالة الطاقة الذرية، كما أشار إلى حديثه مع زعماء فرنسا وألمانيا بشأن المعلومات المخابراتية الإسرائيلية، وإنه يزمع إرسال ممثلين إلى البلدين للتناقش.

وقال متحدث باسم الحكومة الألمانية إن بلاده ستجري تحليلا تفصيليا للمعلومات المخابراتية الإسرائيلية، وعلق خبير على مقاله نيتنياهو عبر وسائل الإعلام البريطانية بالقول: "إنها كلها مواد مُعاد تدويرها".

وردت إيران على ما أعلنه نيتنياهو بـ"تغريدة" لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي قال إن الأدلة "إعادة صياغة لمزاعم قديمة" تعاملت معها بالفعل وكالة الطاقة النووية التابعة للأمم المتحدة، واتهم نيتنياهو بالقيام بخدعة "طفولية" للتأثير على قرار ترامب بشأن البقاء في الاتفاق النووي الإيراني.

والسؤال الآن: ماذا سيفعل العالم العربي وسط السوق المشتعل للمصالح المتضاربة في المنطقة؟.

وتأتي الإجابة بعلامة استفهام أكبر من تلك الخاصة بالسؤال، فالعالم العربي في عام 2003 كان مهتما بالغزو الأمريكي للعراق وكما هو واضح، ووفق ما قالته إسرائيل، فإن إيران كانت على وفاق مع الغزاة حتى إنها عطلت "برنامج عماد" بدلا من الإسراع باستكماله؛ فقد كان القضاء على عراق صدام أكثر أهمية لدى واشنطن وطهران معا، واليوم هناك "تنسيق ما" بين واشنطن وطهران وتل أبيب فيما يتعلق بالملف القطري والسوري وربما اليمني أيضا، بالإضافة إلى ملفات أخرى سيزاح عنها الستار في المرحلة المقبلة.

والعالم العربي منقسم على نفسه بشكل كبير في الوقت الراهن، بل وتنقسم فيه الدولة الواحدة على نفسها في بعض الحالات (سوريا واليمن وليبيا ولبنان)، ما يعني ضعف القدرة على المبادرة واتخاذ القرار الموحد القوي التأثير.

وكما هو واضح فإن القوى الإقليمية والدولية الكبرى تقوم بترتيب توزيع نفوذها في المنطقة وترسم مستقبل تواجدها استنادا إلى قواعد جديدة لا يبدو أنها تخدم أو تلبي مصالح الدول العربية على المديين المتوسط والبعيد.

وهكذا وعلى ما يبدو لم يبقَ سوى إعادة المطالبة بتوحيد الجبهة العربية في مواجهة التدخلات الخارجية، ثم التوجه إلى السماء، طلبا للعون.

... عن "الأهرام" المصرية