منال الزعبي - النجاح الإخباري - بما أنَّ القبور هي أموات تضم الأحياء على اعتبار ما كان وسيكون يوم البعث، تقف شواهد القبور تحمل عنوان هذه الرحلة وتلخّص أعمارَ أصحابها، في ختام رسالة الرحياة.
هل فكَّرنا ماذا يجب أن يُكتب على شواهد قبورنا؟
وأيُّ عنوان يليق أن تُتوَّج فيه مسيرة حياتنا؟
نُقِشَ على أحد القبور: "غَرستُ نفسي هنا، عَلّي أنبتُ لكم الإنسانية"، يبدو أنَّ صاحب هذه العبارة اعتبر نفسه نموذجًا للإنسانية المفقودة في غالب الجماعات وعليه يستحق أن يُكمل رسالته لولا أنَّ الله قهر عباده بالموت.
وحمل شاهد آخر عبارة: "كان زوجًا مُحبًّا وأبًا رائعًا، لكنَّه كان كهربائيًّا سيّئًا! أوصل صاحب هذه العبارة فكرة أنَّ عدم إتقانه لوظيفته الخطرة أودى بحياته وربما هذا ما تنبَّأ به قبل مماته.
مخرج ياباني كبير كُتب على شاهد قبره: "لا شيء"، هنا الكثير من المعاني فربما وجد هذا المخرج الحياة مجرد فراغ ندور فيه حتى النهاية، أو أنَّ مقدار المعاناة التي تستحقها منَّا "لاشيء".
أمّا شكسبير فأوصى أن يكتب على شاهد قبره: "الشكر لمن جاد بالأحجار لبناء قبري، واللعنة على من يحرِّك عظامي"، ربما كان مشوار شكسبير تعبًا وشاقًا فيؤثر الراحة في مماته، ولم يقصد على أيَّة حال الحفاظ على مكانه.
بينما كتب أحدهم: "هذا كلُّ شيٍ أيُّها الصّحب"، في إشارة إلى أن َّ الحياة بكل ما فيها نهايتها قبر ضيق باردٌ أصمّ.
آخر أوصى أن يُكتب: "حوائج لم تُقضَ، وآمال لم تُنل، وأنفُس ماتت بِحسراتها"، صاحب هذا القبر أوصل زبدة القول لأنَّ مشوار الحياة لا يكفي لإشباع حوائجنا، وقد نعجز عن نيل آمالنا، قد يغمرنا الإحباط واليأس ونغفل فكرة الموت التي تقطع المشوار في أيَّة لحظة ودون سابق إنذار.
بوكوفسكي أوصى أن يُكتَبَ على قبره وصيَّته لمن يرغب أن يصبح كاتبًا: "مكتبات العالم قد تثائبت حتى النوم بسبب أمثالك، لا تحاول.."
أدرك هذا الكاتب أنَّ الناس لا تقرأ وإن قرأت تنام، فالمكتبات مثقلة بكتبها التي شاخت مفاصلها من قلَّة الحركة وشابت من الغبار.
وعبّر أحدهم عن بالغ الألم في حياته فحمل شاهد قبره عبارة: "لم تكن موتتي الأولى"، في إشارة إلى أنَّ رحلة الحياة مليئة بالألم والعذاب والضنق ما يجعلك تموت وأنت على قيد الحياة قبل أن يسلمك الموت إلى جوف الأرض.
أحدهم كتب: "ظننت أنَّ الحياة لن تسيرَ بدوني .. فخاب أملي"، نعم هي الحياة لا تنتهي عند أحدهم وكما الموت يسلبنا الكثير، فإنَّ الحياة تمنحنا أكثر.
وحتى النازحون أرادوا من هذه المساحة الضيّقة كما حياتهم أن تُخلِّد رسائلهم، فكتب أحدهم: "لفظتني كلُّ المُدن، وحدها الأرض منحتني مترًا في عمقها"..لا تعليق على حجم الألم في هذه العبارة.
الموسيقار الألماني فرانتس كتب على شاهد قبر زوجته: "هُنا ترقُد موسيقى روحي.."، وما أصعب أن يدفن الإنسان عزف روحه وأملها فقد عبَّر عن عشقه لزوجته حتى لكأنَّ روحه انضمَّت لرفاتها.
أمَّا أنا فسأشتري شاهد قبري وأكتب عليه بخط يدي: "بذلت جهدي لأحقّق غاية وجودي، تركت روحي في قلوب أحبتي".
في المقبرة زبدة القول وخلاصة المطاف، كلَّما مررنا بها تتنفس فينا الحياة من جديد ويخبرنا المنطق أنَّنا سنكون هناك يومًا، فماذا أعددنا لذلك المكوث؟!