عيسى قراقع - النجاح الإخباري - رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين
بعد انتهاء أعمال الدورة 33 للمجلس الوطني الفلسطيني وخلال عودتنا الى منطقة الجنوب، أوقفنا جنود الاحتلال على حاجز الكونتينر العسكري شمال شرق بيت لحم، طابور طويل جدا من السيارات اكتظت في ذلك الفجر، جنديان ومجندة تحكموا بحركة السير وبدأوا يمارسون الإذلال والتنكيل بالناس.
الجنود كانوا كفريق عصابة، لا رقيب ولا حسيب، يضحكون على هذا الازدحام المصطف امامهم في انتظار اشارة منهم، يقفون هادئين كآلات جامدة تثير الاعصاب وتجعل من ذلك الفجر كابوسا على غير ميعاد.
يقوم الجنود بإنزال الشبان واقتيادهم خلف السواتر الحجرية ويجري تفتيشهم وضربهم ورفسهم وإهانتهم وتعريتهم، وجعل رؤوسهم تطأ الارض ، وجوههم الى الحائط ودون سبب سوى الانتقام والتسلية والعبث بنعاس الناس في صباح هرب منه النوم.
كنا عائدين من رام الله بعد أنتهاء اعمال المجلس الوطني الفلسطيني ، ولا تزال مئات الكلمات التي القيت خلال ثلاثة أيام من المؤتمر تدوي في رؤوسنا ، الحقائب التي وزعت علينا مليئة بالتقارير والبيانات والكتيبات والمواقف المختلفة، واذا بالجنود على انتظار، ربما لم يعجبهم أن المجلس أنهى اعماله بنجاح، وربما سمعوا الخطابات التي القيت فاستفزتهم، وأثار قلقهم هذا الحشد الكبير من الشخصيات التي جاءت من كل مكان تتحدى حراب الاحتلال، اغلقوا الحاجز واشهروا بنادقهم ولبسوا الدروع واستعدوا لتفريغ ما بقي في العقل والقلب من صدى المجلس الوطني الفلسطيني.
لم يتوقع الجنود أنه بعد 22 عاما يستطيع الفلسطينيون عقد مجلسهم الوطني، راهنوا ان العقل الفلسطيني قد تطبع وتدجن واصبح مبرمجا مع واقع الاحتلال والاندماج فيه، ليصبح القتل عاديا، والاعتقال عاديا، والتوقف في هذا الحاجز او ذلك عاديا، هدم المنازل ومصادرة الارض وقلع الاشجار صار مألوفا، وعمليات الضم واحتواء الحالة الفلسطينية انتقل من الارض الى العقل السياسي.
633 حاجزاً عسكرياً في الضفة الغربية تشير الى نظام فصل عنصري وبانتستونات فلسطينية متفرقة تقع تحت رحمة المستوطنين والحواجز العسكرية والجدران العالية، انها سياسة لا تتعلق فقط بهندسة الجغرافيا وانما بهندسة النفوس البشرية، لكن كل ذلك لم تمنع ان تكون القدس عاصمة دولة فلسطين عنوان المجلس الوطني الفلسطيني، ولم تمنع الذين وصلوا قاعة المجلس من اتخاذ قرار برفض القرارات الامريكية وانهاء دور امريكا كوسيط للسلام في المنطقة.
الجنود الذين يعبثون بالناس على حاجز الكونتينر لم يعجبهم ان تكون الاسيرة الطفلة عهد التميمي عضو شرف في المجلس الوطني، ولم يعجبهم ان يدعو الرئيس ابو مازن مائة اسير واسيرة محررة الى جلسة افتتاج المجلس، لقد ذهب جهد حكومتهم عبثا بمحاولات اسقاط شرعية الاسرى وادراجهم في قائمة الارهاب، لا زال هذا الشعب خارج اوامر الطاعة والانصياع، لهذا فعلينا ان ننزلهم عن اشجارهم العالية ونحشرهم هنا، نهينهم ونبصق على وجوههم والمسدس في افواههم، هنا دولة الاحتلال.
الجنود على حاجر الكونتينر العسكري يرسمون فضاء قمعيا آخر للشعب الفلسطيني، في حين يحلق الفلسطينيون في فضائهم الخاص ، وما بين الفضاءين تنهال الاسئلة الكثيرة في المجلس الوطني عن سلطة وظيفية ام سلطة مقاومة، وعن احتلال بلا تكلفة ام عن احتلال يدفع الثمن ويصبح الاحتلال عبئا ثقيلا على المحتلين، واكثر ثقلا من كل ما ورد في البيان الختامي للمجلس الوطني الفلسطيني.
جنود الحاجز العسكري أرادوا أن يزرعوا الخوف في نفوسنا من الحرية التي غنينا لها في المجلس الوطني الفلسطيني، الحياة بلا معنى، لا فائدة مما تقولون، الواقع يدمر أحلامكم ، هذا لسان حالهم، لا وجود إنساني للفلسطينيين، ويجب ان يهربوا من الحرية كلما لم يتمكنوا من التقدم اليها وذلك بالخضوع للفاشية الاسرائيلية والتطابق الاضطراري مع الوضع القائم.
جنود الحاجز العسكري على الكونتينر تعلموا دروسا من النازية التي تقول ان الوسيلة الكبرى التي اخذ بها الفوهرر لفرض ذاته هي فرض القوة النفسية، وان انسانية الشعب الفلسطيني الخارج من قاعة المجلس الوطني هنا على الحاجز تتردى ومطامحه تضمحل وآفاقه تنغلق، الطاغية الاسرائيلي يريد ان ينحدر الشعب الفلسطيني نحو الحيوانية في الوقت الذي تكون فيه الشعارات مرفوعة نحو المجد والكرامة والحرية، انهم يستهدفون قتل امور كثيرة في داخلنا وأذهاننا دون قتلنا جسديا.
على حاجز الكونتينر العسكري في صباح انتهاء اعمال المجلس الوطني الفلسطيني هناك شيء كان نائما في داخلنا، استيقظت ، صوت أذان الفجر يحركه الهواء قادما من المسجد الاقصى ، مسيرات العودة تجتاز السياج الحدودي في قطاع غزة، ولم ينته بعد الدكتور صائب عريقات من انهاء البيان الختامي للمجلس الوطني الفلسطيني.