عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - مناسبة هذه المفارقات هي عقد دورة المجلس الوطني الفلسطيني.
أما أُولاها فهي أن أسباب مقاطعة هذه الدورة بالذات للمجلس الوطني هي نفسها الأسباب الموجبة لحضورها «والإصرار» على هذا الحضور.
على الصعيد السياسي، تجابه القضية الفلسطينية بصورة معلنة محاولة جادة من قبل التحالف الأميركي الإسرائيلي في «حُلّته» اليمينية المتطرفة الجديدة عبر ثلاث بوابات رئيسية:
1. القدس، ومحاولة إخراجها من دائرة التفاوض المستقبلي والاعتراف بها «كعاصمة» لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها، والعمل «المثابر» لتشجيع كل من له وعليه سرقة هنا وفساد هناك، لدى بعض الدول الميكرسكوبية أو الفاشلة والمباعة للإقدام على هذا النهج.
2. اللاجئون، ومحاولة إنهاء دور «الأونروا» وحصارها، باعتبارها رمزاً وشاهداً على عدالة قضيتهم وحقهم في العودة إلى وطنهم.
3. الاستيطان وشرعنة استمراره، بما يمثله من خلق وقائع ينهي أية إمكانية لقيام دولة فلسطينية في المستقبل، وبحيث يتحول (هذا الأمر الواقع) إلى القاعدة التي سيتم التفاوض من على قاعدتها بالذات، وهو الأمر الذي يحول كل حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية والتاريخية إلى احتياجات معيشية تحت دائرة السيطرة والتحكم الإسرائيلي.
وقفت القيادة الفلسطينية وكل فصائل العمل الوطني موقفاً حازماً ضد هذه المحاولات، وتمت هزيمة هذه الخطة في كل مؤسسات القانون الدولي، وتم محاصرة وعزل هذه الخطة لدى كل التجمعات الإقليمية والدولية.
وبدلاً من أن يتم اعتبار عقد دورة المجلس الوطني مناسبة لإعادة تأكيد هذا الموقف من قبل أعلى سلطة سياسية وتشريعية للشعب الفلسطيني، تتم مقاطعة هذه الدورة بالذات، والتي هي عنوان صمود وتحدٍّ وشجاعة، لولاها لما أمكن أصلاً تحقيق ما تحقق في القمة العربية، وقبلها في القمة الإسلامية، وما اتخذه الاتحاد الأوروبي ومنظمات دولية كثيرة من مواقف قوية في المفاصل الثلاثة التي أشرنا إليها.
وثاني هذه المفارقات المحزنة هي ما يطرح من أسباب للمقاطعة تتعلق بضرورة عقد دورة توحيدية للمجلس.
من المعروف أن هذا المطلب هو مطلب جماعي وليس خاصاً بأحد على وجه الخصوص والتحديد، وهو مطلب محق وضروري، ولكن توفر شروطه وإمكانياته ليس مسألة قرار، وإنما ـ وهذا هو الأهم ـ مسألة تحضير وتوفير ظروف حقيقية لتحققه.
فهل تمت فعلاً أية خطوات، وهل تم تحضير ما يلزم لعقد دورة كهذه؟
الجواب وبغض النظر عن الأسباب بالنفي.
ما دام أن اللجنة المكلفة هذا الشأن لم تجتمع إلاّ مرة واحدة، وما دامت هذه اللجنة لم توفر شروط عقد هذه الدورة التوحيدية، فهل يكون الموقف بالمقاطعة أم بالحضور لاتخاذ ما يلزم من آليات عمل ملزمة لتحقيق هذا المطلب الهام والكبير؟
أي أن الأسباب الموجبة للمقاطعة هنا هي نفسها الأسباب الموجبة للحضور. فأي مفارقة محزنة هذه؟
وثالث هذه المفارقات هي أن هناك محاولات من قبل التحالف الأميركي الإسرائيلي الجديد، وفي حلته المتصهينة الفاضحة، وفي معرض رده على مواقف القيادة الفلسطينية الحاسمة ضد «صفقة القرن» يعمل على إضعاف المنظمة والسلطة الوطنية ومحاصرتها بقدر ما هو متاح له من وسائل، وعلى التلويح بصيغ موازية وبديلة.
وأكبر دليل على ذلك هو أن المقاطعين أنفسهم (والحديث يدور عن موقف «الشعبية» وبعض المستقلين) رفضوا رفضاً حاسماً وقاطعاً الانضمام إلى أية محاولات من هذا النوع، ما يعني أن العمل على الصيغ الموازية والبديلة عمل قائم على قدم وساق.
وإذا كان الأمر كذلك، وهو فعلاً كذلك، ألا يعني ويقتضي الواجب حضور دورة المجلس الوطني الحالية لتجديد شرعية المؤسسة، والرد على المخطط الأميركي الإسرائيلي بالتمسك التام بشرعية ووحدانية التمثيل عبر إعادة التأكيد الفعلي من خلال دورة المجلس؟
أليس محزناً أن يتم رفض المشاركة في اية صيغ بديلة أو موازية (وهو موقف وطني له كل الاحترام والتقدير) بسبب ما تمثله هذه الصيغ من خطر على المشروع الوطني والكيانية الوطنية دون أن يتم العمل على تكريس هذه الوحدانية وهذه الشرعية في مرحلة تتعرض فيها لمحاولات معادية مكشوفة؟
أليس مطلوباً إعادة الاعتبار لدور المنظمة وخصوصاً لجهة علاقتها بالسلطة الوطنية وخاصة في هذه المرحلة بالذات؟
أليس مطلوباً الاهتمام بتفعيل وإصلاح وتصليب مؤسسات المنظمة في وقت يتم فيه العمل على دويلات بديلة عن المشروع الوطني، وصيغ بديلة عن المجلس والمنظمة وربما السلطة نفسها؟
لا أقصد أن كل الأمور على ما يرام، فهي أبعد من أن تكون، ولا أقصد عدم وجود التسويف وبما يكفي في قضية إصلاح المؤسسة الفلسطينية ومجمل النظام السياسي لأن هذا التسويف واضح وقائم ومستمر منذ سنوات، ولا أقصد أن الأخطاء والخطايا التي تستمر على هذا الصعيد هي من الأمور الثانوية والصغيرة، ولكن مقاطعة دورة المجلس لا تقدم ولا تؤخر في مسار مجابهة هذه الأخطاء وهذا التسويف، بل ان العكس هو الصحيح بدون شك وعناء تفكير.
والاستخلاص المحزن هنا هو التالي:
عندما تكون الأسباب الموجبة للمقاطعة هي نفسها الأسباب الموجبة للمشاركة والحضور فإن شيئاً ما يحدث على صعيد الفكر السياسي لجهة الكثير من مؤشرات الضعف وربما الهشاشة.
وعندما تكون مطالب إصلاح المنظمة ومؤسساتها مستمرة منذ سنين وسنين ولا يتم اتخاذ أية خطوات تقطع الطريق على كل أصحاب مشاريع النيل من وحدانية وشرعية المؤسسة الفلسطينية فهذا يعني أن هناك من التقصير ما هو أخطر مما يبدو عليه الأمر.
أليس محزناً أننا نرى الخطر الداهم على المنظمة ولا نتخذ من المواقف والإجراءات ما يحميها ويصد الأعداء عنها؟
مفارقات محزنة حقاً.
نقلا عن صحيفة الأيام